هل الحب محرم في الإسلام

هل الحب محرم في الإسلام

الحب في الإسلام

الحبُّ فطرةٌ في نفوس البشر، فلكلّ منهم قلب يخفق بالحُب، ولكلّ منهم لسان يلهج بذكر من يُحبّ، ويوجد فرقٌ كبير بين حُب وآخر، فنجد قلوبًا امتلأت بحبّ خالقها، وقلوبًا اشتغلت بحب غيره، ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165] ويقول عزّوجلّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54] ولا عجب في محبة الخلق للخالق، وقد منَّ عليهم بالفضل والعطايا والنعم التي لا تعد ولا تحصى، لكن العجب أن يحبهم الله وهو غنيّ عنهم، ولا يحتاجهم، وقد ذهب الناس بمفهوم الحب إلى معانٍ مبتذلة، وصلت للحب المحرَّم الذي انتُهكت به الحُرمات، وارتُكبت فيه المُحرَّمات، كالكلام الرذيل والمعاكسات والمطاردات، والوقوع في الكبائر، وقد كانت فتنة أهل الجاهلية بحبّ رجالهم لنسائهم، فكيف بفتنة أهل هذا الزمن وهي أفظَع، فقد انشغل الذكور بالذكور، والإناث بالإناث، تحت مسمى العشق أو الإعجاب والعياذ بالله، ويعود ذلك لفراغ قلوبهم مِن حُبّ الله سبحانه، فلو كانوا منشغلين بالخالق، لما خالطوا حبّه بما يغضبه، فيقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165].

والله سبحانه وتعالى هو المستحقّ للمحبة الكاملة، وينبغي أن لا يكون فوق حبّه أي حُب، فهو الذي منّ على الإنسان بكل النعم، الطعام والشراب، والكساء، والمأوى، والأمان، والغنى، والجبر والمواساة، وحُبّه يجلب سعادة الدارين الدنيا والآخرة، فقد جاء في الحديث القدسيّ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ومن أحبَّه أحبّ لقاءه، وأحب الله لقاءه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ بهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ: مَن كانَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنْقَذَهُ اللَّهُ منه، كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].

وحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب، فهو حبيب رب العالمين، وقد جعل حُبّه أساسًا في الإيمان، فلا يتمُّ إيمان العبد إلا إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلّم أحبُّ إليه من ماله ونفسه وولده والناس أجمعين، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: (مِنْ أشَدِّ أُمَّتي لي حُبًّا، ناسٌ يَكونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بأَهْلِهِ ومالِهِ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ولم يحب أحدٌ من الناسِ أحدًا مثل حُبِّ الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يحبونه حُبًّا شديدًا، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ يا رسولَ اللهِ متى قيامُ السَّاعةِ؟ فقامَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إلى الصَّلاةِ فلمَّا قَضى صلاتَه قالَ: (أينَ السَّائلُ عن قيامِ السَّاعةِ) فقالَ الرَّجلُ: أنا يا رسولَ اللَّهِ قالَ: (ما أعددتَ لَها) قالَ: يا رسولَ اللهِ ما أعددتُ لَها كبيرَ صلاةٍ ولا صومٍ إلَّا أنِّي أحبُّ اللَّهَ ورسولَه، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: (المرءُ معَ من أحبَّ وأنتَ معَ مَن أحببتَ فما رأيتُ فَرِحَ المسلمونَ بعدَ الإسلامِ فرحَهم بِهذا) [صحيح الترمذي| خلاصة حكم المحدث: صحيح ][١].


هل الحب محرم في الإسلام؟

يندرج تحت مسمى الحُبّ أنواع كثيرة من الحُب، منها المباح ومنها المكروه ومنها المحرم، ومنها الحُب الشركيّ، ويعني أن يقدّم الإنسان رضى المحبوب على رضى الله عزّ وجل، ومنه الحب الفطريّ كحب الوالدين للأبناء، أما الحُب بين الرجل والمرأة، فيُباح منهُ ما لم يترتب عليه أمور محرّمة، فمن أحبَّ فتاة، وتعلق قلبهُ بها، واتقَى ربَّه وغضَّ بَصَره، ولم يرتكب محرم، كالخلوة أو المجالسة أو المحادثة، ولم ينشغل بها عن الطاعات، فهذا مباح حتى يسعى للزواج بها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ( لم يُرَ لِلْمُتَحابَّيْنِ مثلُ النكاحِ)[صحيح الجامع| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وإن تعذّر عليه الزواج منها، عليه أن يستعين بالله سبحانه في أن يصرف قلبه عنها، وأن يداوي قلبه بأدوية الشرع، ليجنبه الله تعالى الوقوع في الحرام، أما الحُبُّ المحرّم فهو أن يحبّ الرجل امرأة لا يحلُّ له الزواج منها، مثل حب المرأة المتزوجة، أو أن يحبَّ امرأة ثم يتساهل في النظر إليها، أو يخلو بها ويتحدث معها، وغير ذلك من مسببات الفتنة، حتى لو كان اللقاء بغرض الزواج؛ فالحُبّ محرّم تحريم الوسائل وليسَ تحريم المقاصد في تلك الحال؛ لأنه عندها سيكون سببًا في معصية الله وتجاوز حدوده، فالخلوة حرام، والنظر حرام، ونيّة الزواج لا تبيح المواعدةَ الآثمة.

وليس في شرع الإسلام ما يعرف بالتعارف أو الصداقة بين الجنسين إلا ضمن الزواج الصحيح، ولا يباح التعارف قبل الزواج إلا بنيّة الزواج وبشرط عدم تجاوز حدود الله سبحانه، ؛ وفي السنة المشرفة صور راقية للحبّ الحقيقيّ كحبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، ووفائه صلى الله عليه وسلم لحبها حتى بعد وفاتها، وحبِّه لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، ومن صور الحب المحرم كان عشق المشركين، كقصة امرأة العزيز، وقد كانت مشركة على دين زوجها، فقال سبحانه: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [يوسف: 30]، فقد وصل حبّه لشغاف قلبها وحجبه عن سواه، فلم تعد تعقل ولا تفكر إلا به، وما جاء ذكره عن اللوطيّة، فقال الله سبحانه وتعالى عنهم: {لَعَمْرُكَ إنهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعمَهُونَ} [الحجر: 72]، ثم ذكر عزّ وجل أنّه يصرفُ مثل هذا الحبّ عن عباده المخلصين، فقال سبحانه: {كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنّهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]، وقصص الحب المشابهة لتلك القصص كثيرة في هذا الزمان، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ)[صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، فحبُّ الله هو الأًولى، ثم حبّ رسوله عليه الصلاة والسلام، ثم حب المؤمنين والعُلماء والصَالحين، وأن يكون أساس الحب في الله سبحانه وتعالى، وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أوثقُ عُرَى الإيمانِ: الموالاةُ في اللهِ، و المُعاداةُ في اللهِ، و الحبُّ في اللهِ، و البُغضُ في اللهِ عزَّ وجلَّ) [صحيح الجامع| خلاصة حكم المحدث: صحيح] ويتوجب على المسلم أن يبغض أهل الفجور والمعاصي[٢][٣].


من حياتكِ لكِ

إليكِ بعض من صور الحب في الإسلام[٣]:

  • محبة الزوجة والأولاد: فحب الزوجة شعور مكتسب، إذ يميل زوجكِ لكِ ويسكن إليكِ بالفطرة، ويكبر حبكِ في قلبه إن كنت جميلة، أو كنت ذات خلق ودين، أو كانت عندك صفات حسنة، ومحبة الولد شعور فطري، ولا يُؤاخذ الإنسان إن أحب أحد أولاده أكثر من الآخر، ولا إِحدى زوجتيه، لأن المحبة من المشاعر القلبية التي ليس للمرء عليها سلطة، ولا خيار في التحكم فيها، وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَقسِمُ بيْنَ نِسائِهِ، ويقولُ: (اللَّهُمَّ إنَّ هذه قِسمَتي فيما أَملِكُ، فلا تَلُمْني فيما تَملِكُ ولا أَملِكُ) [تخريج مشكل الآثار| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح على شرط مسلم]، إنما يؤاخذ على تفضيله بالعطايا والممتلكات، فيقول الله عز وجل: {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 129]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (منْ كان لهُ امرأتانِ يَمِيلُ لإحداهُما على الأُخرَى جاء يومَ القيامةِ أحَدُ شِقَّيْهِ مائلٌ) [مسند أحمد| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح] وعنه صلى الله عليه وسلم قال: (اتَّقوا اللهَ، واعْدِلُوا بينَ أولادِكمْ، كما تحبونَ أن يَبَرُّوكُم) [الجامع الصغير| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ويُقصد بالميل في الإنفاق، وليس في المحبة.
  • محبة الوالدين والقرابات: والمرء مفطور على حب والديه، فقد أحسنا إليك صغيرةً وتعبا في تربيتك، وهذا النوع من الحب مأمور بها المسلم.
  • الحب بين الفتيان والفتيات: وهذا نوعان:
    • الأول: الرجل الذي قُذف حب امرأة في قلبه فاتقى الله سبحانه وغض بصره، إلى أن يجد سبيلًا إلى الزواج بها تزوجها، وإلا فإنه ينصرف عنها، حتى لا يشتغل بما لا فائدة فيه، ويضيع واجبات الله وحدوده.
    • الثاني: من لا يملك القدرة على إعفاف نفسه، وقد تمكّن الحبُّ من قلبه، فانقلب الحب عشقًا، وغالب ذلك عشق للصور والمحاسن، فهذا النوع من الحب محرم، وعواقبه غير محمودة، فعشق الصور تٌبتلى به قلوب معرضة عن الله سبحانه، وفارغة من محبته، وأقبح من ذلك الحبِّ، حب المردان من الذكور، فهو قبحٌ وشذوذ، ومن يسبق زواجه بامرأة علاقة حُب معها وقد ظفر بها، سيصيب علاقتهما الفتور بعد الزواج، وقد بيّن الشرع علاج الانشغال بالحب وهو غضّ البصر، وتجنب المثيرات، ومراقبة النفس، والصيام لكسر الشهوة، والزواج عند القدرة، وأن يسعى الرجل للظفر بذات الدين، فهو المقياس الذي تختار به شريكة الحياة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)[صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].


المراجع

  1. الشيخ بلال بن عبدالصابر قديري (12/4/2011)، "فقه الحب"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 18/6/2020. بتصرّف.
  2. خالد عبد المنعم الرفاعي (28/2/2019)، "هل الحب حرام؟"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 20/6/2020. بتصرّف.
  3. ^ أ ب فريق الإسلام ويب (27/9/2001)، "حكم الحب في الإسلام"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 20/6/2020. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :