الصلاة
إن للصلاة في الدين الإسلامي مكانة عظيمة، فهي عمود الدين، وثاني أركانه بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وفي ذلك يروي معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كنتُ معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سفر فأصبحت يومَا قريبا منه ونحن نسير فقُلْت يا رسولَ اللهِ أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجلُ من جوف الليل، قال: ثم تلا: { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم – حتى بلغ – يعملون } ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه: قُلْت: بلى يا رسولَ اللهِ قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قُلْت: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا. فقُلْت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا مُعاذٍ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم) [ المصدر: سنن الترمذي| خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح]، ونظرًا لأهمية الصلاة فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتقرب بها إلى الله تعالى في الكثير من الأحيان والظروف الخاصة، ومنها بعد الفتح والنصر على الأعداء، والتي يُسميها فقهاء الدين بصلاة الفتح، وهي محور حديثنا في هذا المقال[١].
ما هي صلاة الفتح
قال بعض علماء الدين الإسلامي أن صلاة الفتح ثمانِ ركعات تُصلى بعد أن يمنّ الله تعالى على المسلمين بالنصر في المعارك، وقد استدلوا على ذلك بالحديث الذي ترويه فاختة بنت أبي طالب أم هانئ فتقول: ( أنَّهُ لَمَّا كانَ عَامُ الفَتْحِ أتَتْ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وهو بأَعْلَى مَكَّةَ قَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إلى غُسْلِهِ، فَسَتَرَتْ عليه فَاطِمَةُ ثُمَّ أخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ به، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى) [ المصدر: صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، كما أن الصحابة والتابعين -رضوان الله عليهم- كانوا يُصلون هذه الصلاة بعد فتح المدن والحصون، ولكن البعض الآخر ظنّها صلاة الضحى ومن بينهم راوية الحديث[٢].
الفتوحات الإسلامية
لم يأتِ الإسلام ليكون دين حربٍ وسلاح، بل إنه دين الرحمة والتسامح، وما أمر الله المؤمنين بالقتال إلا قتال من يقاتلهم وفي ذلك يقول الله تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 8، 9]، أما عن الفتوحات الإسلامية فقد كانت ذات دوافع مشروعة؛ إذ إن وجودها بين الفرس شرقًا، والروم غربًا استوجب على المسلمين حماية الدولة الإسلامية في نشأتها، فكانت فتوحاتهم الأولى لحماية هذا الدين، كما أن الدافع الثاني للفتوحات الإسلامية كان تكليفًا من الله تعالى، إذ يقول في محكم التنزيل: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } [المائدة: 67]، ولذلك فقد رافقتهم معية الله تعالى، فانتصروا على أقوى الممالك التي كانت تحكم الأرض آنذاك، ولعل المتمعّن في التاريخ الإسلامي يجد أن الفتوحات الإسلامية كانت من سُبل نشر الحضارة، والتعاليم الإلهية السمحاء بين البشرية، ونبذ العبودية لغير الله تعالى، وإكرام الجنس البشري، وإعطاء كل ذي حقٍ حقه[٣].
أهمية الفتوحات الإسلامية
إن من أهداف الدين الإسلامي أن يكون عامًا بالخير على البشرية جمعاء، فهو المخرج من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وهو الكافل لحرية البشر وحقوقهم في الحياة، وهذه المهمة تكليف وتشريف للمسلمين عامةً، وتتمثل في باب الفتوحات الإسلامية، ونشر الدين الإسلامي، فلولاها لما وصل الإسلام لما وصل إليه؛ بل لبقي حبيسًا بين بعض القبائل العربية، وفي ذلك يقول رب العالمين مخاطبًا رسوله محمد -عليه الصلاة والسلام-: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28]، ويقول أيضًا: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:158]، كما أن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بأن تكون الدعوة إلى الإسلام عامةً، كما أمرهم بالقتال من أجل هذه المهمة السامية؛ظ إذ يقول في محكم التنزيل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:29-33]، كما أن الله تعالى أمر هذه الأمة بأن تكون عزيزة النفس، وأن تربط عزّتها بالله تعالى، فلا تداهن ولا تحابي غيره في شرائعه، بل أوجب عليهم الثبات وعلوّ الهمة، والتمسك بالعزة والمنعة، كما أمر بأن يكون للقتال بحد ذاته أخلاقًا إسلامية سمحاء، فحرّم الغدر، والإخلال بالمواثيق، وأمر بقتال من قاتلهم فحسب، كما حرّم قتل النساء والأطفال والشيوخ وإن كانوا في حالة حرب، ولم يقف الأمر عند هذا؛ بل تعدى ليصل إلى الوصاية بالشجر ألّا يُقطع ولا يُحرق، والكثير الكثير من الأخلاق الإسلامية النبيلة في حالات الحروب، كما أن الفتوحات الإسلامية من المطالب الدينية لا الدنيوية، فهي من الأمور التي تقوم عليها حماية الأمة، ولعل حاضرنا خير دليلٍ على ذلك، فمتى تركنا الجهاد في سبيل الله والدفاع عن ديننا وأوطاننا أصبحت معاثًا لفسّاد البشر وحقولًا لتجاربهم الدموية العسكرية، والواقع خير برهان[٤].
المراجع
- ↑ "مكانة الصلاة في الإسلام"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "هل يجوز أن يصلي ركعتين شكراً لله؟"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "لا إكراه في الدين .. ولماذا الفتوحات الإسلامية ؟"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "أهمية الفتوحات الإسلامية"، islamstory، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.