محتويات
لماذا نقع في المعاصي؟
تُعرف المعصية في اللغة بأنها الخروج عن الطاعة، ومخالفة الأوامر والنواهي، وتُعرف في الشّرع بانها مخالفة لأوامر الله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، ووردت في القرآن والسنة الكثير من الآيات والأحاديث التي تُوصي العبد باجتناب المعاصي بأنواعها وتحذر من خطورتها، كما أورد الله في كتابه الكريم معنى المعصية بعدة ألفاظ منها: الذنب، والخطيئة، والفساد، والعُتُو، والفسوق والعصيان، والإثم والغي، والسيئة، والحُوب[١].
أنواع المعاصي كثيرة لا حصر لها؛ لأن فعل أي شيء نهى عنه الله أو ترك أي شيء أمر به يُعد معصيةً، فالربا، وعقوق الوالدين، والسرقة، والقمار، والسحر، والغيبة، وأكل مال اليتيم، وقذف المُحصنات كلها معاصٍ، وترك الواجبات مثل: الصلاة، والزكاة، والصيام أيضًا معصية، وقد دعانا الرسول صلى الله عليه وسلم لحفظ اللسان والفرج؛ لأنهما غالبًا أكثر سببين لحصول المعصية، عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن يَضْمَن لي ما بيْنَ لَحْيَيْهِ وما بيْنَ رِجْلَيْهِ أضْمَن له الجَنَّةَ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح][٢].
لعل أبرز الأسباب التي تقف وراء ضعف العبد ووقوعه في المعاصي والذنوب قلة إيمانه، ونفسه الأمارة بالسوء، وعدم صموده أمام وساوس الشيطان، وقلة استشعاره لمراقبة لله، وصحبته السيئة، وتعرضه للفتن، والمؤمن مُطالب بأن يقاوم جميع هذه الأسباب؛ لأن الله عز وجل ما أمرنا بالابتعاد عن المعاصي إلا لأنه يعلم أن ذلك في وسعنا وقدرتنا، فعلى المسلم إن أمرته نفسه بمعصية أن يتذكر مراقبة الله لهُ واطلاعه على حاله، فلا يجعل الله أهون الناظرين إليه، فكيف يستحي العبد من النّاس ولا يستحي من الله عز وجل؟ أو يخاف النّاس ولا يخافه جل جلاله؟، لذا لَزِم على المسلم أنه يجاهد بنفسه عن المعصية لنيل رضا الله عز وجل.
من رحمة الله بعباده أنه جعل لهم باب التوبة والاستغفار مفتوحًا لمن وقع منهم في المعاصي، كي يتطهر من ذنبه ويرجع إلى ربه، وقد يخلط بعض النّاس بين المعاصي والابتلاء، فالمعاصي هي من فعل العبد وتفريطه، أما الابتلاء خيرًا كان أم شرًا فهو من عند الله وفي الحالتين هو خير للمسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ويجوز للعبد إن حصلت له مصيبة أن يحتج بالقدر؛ لأن أمر القضاء والقدر ليس بيده بل هو بيد الله جل جلاله[٣][٤].
كيف تتجنبين المعاصي؟
إن ترككِ للمعاصي ليس بالأمر السهل بل يحتاج منكِ أن تجاهدي نفسكِ على ذلك، وفيما يأتي سنذكر بعض الأمور المُعينة لكِ على تجنب المعاصي[٥][٦]:
- الجئي للقرآن الكريم وداومي على حفظه وفهمه، لأن القرآن هو الرادع لكِ عن الشهوات التي تحرمكِ الاستقامة، وهو حبل الله المتين، من لجأ إليه عصمه الله من الذنوب ونجاه منها.
- ابتعدي عن رفقة السوء، لأن المرء على دين خليله، والصديقات الصالحات سيكُنّ عونًا لكِ في الطاعة.
- احرصي على حضور مجالس العلم، ففي هذه المجالس تلتقين بالصالحات، وتتعلمين الحلال والحرام، ويُنزل الله عليكِ سَكينته، وتُحبسين فيها عن الذنوب والمعاصي، ويذكركِ الله فيمن حوله، وتحفكِ ملائكة الرحمن.
- تذكري أن الله يمهل ولا يهمل، فإن سَتَرَ الله معصيتكِ عدة مرات فهذا لا يعني أن تتمادي في المعاصي وتستمري عليها، حتى لا يفضح الله معصيتكِ يومًا ما.
- عظمي ذنوبكِ وإياك أن تحتقريها، فلا تنظري إلى حجم المعصية وتقولي أنها ليست كبيرةً، بل انظري إلى عظمة وجلال من عصيتِ، قال عبد الله بن مسعود: (إنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأنَّهُ قاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخافُ أنْ يَقَعَ عليه، وإنَّ الفاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبابٍ مَرَّ علَى أنْفِهِ فقالَ به هَكَذا، قالَ أبو شِهابٍ: بيَدِهِ فَوْقَ أنْفِهِ ثُمَّ قالَ: لَلَّهُ أفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وبِهِ مَهْلَكَةٌ، ومعهُ راحِلَتُهُ، عليها طَعامُهُ وشَرابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنامَ نَوْمَةً، فاسْتَيْقَظَ وقدْ ذَهَبَتْ راحِلَتُهُ، حتَّى إذا اشْتَدَّ عليه الحَرُّ والعَطَشُ أوْ ما شاءَ اللَّهُ، قالَ: أرْجِعُ إلى مَكانِي، فَرَجَعَ فَنامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فإذا راحِلَتُهُ عِنْدَهُ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: أورده في صحيحه وذكر له متابعة وعلق عليه].
- توبي إلى الله وأخلصي في توبتك، وإن تكرر منكِ الذنب فكرري التوبة.
- تخلصي من كل شيء يذكركِ بالمعصية مثل الأرقام أو الصور مثلًا أو حتى الأشخاص.
- تذكري دائمًا أن الموت يأتي فجأةً، وأن تماديكِ في الذنوب والمعاصي هما سبب في سوء خاتمتكِ.
ما هو أثر المعاصي في الدنيا والآخرة؟
للمعاصي آثار سيئة في الدنيا والآخرة، فما من شقاء أو شر إلا وكانت الذنوب والمعاصي سببًا له، وفيما يأتي سنذكر بعض هذه الآثار[٥][٧]:
- سبب في كثرة الأوجاع وانتشار الأمراض، إذ قال صلى الله عليه وسلم: (خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ: لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ، حتى يُعْلِنُوا بها؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا) [صحيح الجامع| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- هوان المُذنب على النّاس، فتسقط منزلته وتذهب كرامته، ويسقط من قلوب النّاس وعيونهم، أما إذا كان العبد من أهل الطاعة كان من أكرم الخَلق عند الله، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
- حرمان المُذنب من الرزق، إذ تُعد تقوى الله والابتعاد عن المعاصي سببًا لجلب الرزق، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2ـ 3]، وفي المقابل فإن ترك التقوى واستبدالها بكثرة الذنوب والمعاصي تجلب الضيق والفقر.
- تعسر الأمور وقلة التوفيق، فلا يسير المذنب في أمر إلا وجده مُتعسرًا أو مُغلقًا، كما تنقطع عنه أسباب الخير والتوفيق.
- تخون العبد في الدنيا وعند حضور الموت، فإن وقع العاصي في كربة من كرب الدنيا فإن مشاكله لن تُحل، ولن يطاوعه قلبه للتوكل على الله والاستعاذة به، ولا يطاوعه لسانه لذكر الله، والأعظم من ذلك هو حاله عند حضور الموت، فيخونه لسانه وقلبه ويصعب عليه النطق بالشهادة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
- تحرم العِلم، إذ قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]، فكما أن التقوى من أسباب تعلم العِلم النافع، فإن ترك التقوى والانشغال بالمعاصي سبب من أسباب الحرمان من العِلم.
من حياتكِ لكِ
لقد فَتَحَ الله لعباده باب التوبة حتى يعودوا إليه، ويتخلصوا من الإثم الذي كُتِبَ عليهم، واعلمي إنه إذا عاد العبد مرةً أخرى للذنب عليه الرجوع إلى الله والتوبة مرةً أخرى، أي إن كل ذنب يرتكبه العبد يجب أن يُلحقه بالتوبة، ولكن في كثير من الأحيان يُذنب الإنسان ثم يعود للتوبة بل أحيانًا يعود وكأنه لم يتب من ذنبه من قبل، ويعود السبب في ذلك إلى أنه لم يأخذ بالوسائل التي تساعده في الثبات على دينه، والمُضي في طريق التوبة، وفي هذا المقال ستساعدكِ حياتكِ على تعريفكِ ببعض هذه الوسائل التي تثبتكِ على طريق الحق[٨]:
- أكثري من ذكر الله وداومي على الاستغفار والحوقلة أي قول لا حول ولا قوة إلا بالله.
- داومي على تلاوة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي فيها تخويف وترهيب للمذنبين.
- احذري من أوقات الفراغ؛ لأن كثرة وقت الفراغ وجلوسكِ دون عمل نافع قد يكون سببًا في رجوعكِ لارتكاب المعصية، وتجنبي جلوسكِ منفردةً؛ لأن الشيطان يجدها فرصةً ليوسوس لكِ بالعودة للمعصية.
- أشغلي نفسك بالأعمال الصالحة مثل صلة الأرحام وحافظي على الصلاة؛ لأن النفس إن لم تشغليها بالطاعة ستنشغل بالمعصية.
- استشعري عظم الذنب وأهمية الخلاص منه بسبب ضرره عليكِ في الدنيا والآخرة.
- تخلصي من الأدوات التي تمارسين بها المعصية أو تجنبيها، فمثلًا إن كان ذنبكِ مشاهدة المسلسلات، أشغلي نفسك بقراءة الكتب النافعة، أو مُتابعة القنوات التي تعرض مقاطعَ علميةً نافعةً.
المراجع
- ↑ الشيخ صلاح نجيب الدق (27_12_2016)، "احذروا المعاصي"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 24_6_2020. بتصرّف.
- ↑ "المعصية..أنواعها.. وطريق تجنبها "، islamweb، 30-7_2003، اطّلع عليه بتاريخ 24_6_2020. بتصرّف.
- ↑ "الوقوع في المعاصي.. الأسباب.. وطرق الوقاية "، islamweb، 5_10_2013، اطّلع عليه بتاريخ 24_6_2020. بتصرّف.
- ↑ أ.د. حسن شبالة (27_4_2017)، "لماذا يقع العبد في المعصية رغم التوبة منها؟ "، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 24_6_2020. بتصرّف.
- ^ أ ب د. شريف فوزي سلطان (21_4_2017)، "ترك المعاصي"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 24_6_2020. بتصرّف.
- ↑ د. أحمد الفرجابي (15_11_2007)، "كيفية تجنب تكرار المعاصي والأخطاء "، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 24_6_2020. بتصرّف.
- ↑ أنور إبراهيم النبراوي، "آثار الذنوب والمعاصي"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 24_6_2020. بتصرّف.
- ↑ د. مراد القدسي (3_5_2020)، "ما هي الوسائل التي تعينني على الثبات؟ "، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 24_6_2020. بتصرّف.