محتويات
ميراث المرأة في الإسلام
عانت المرأة على مر العصور السابقة من حِرمانها من الميراث وكانت تُعامل على أنها مخلوق لا قيمة له أو أهمية، وهذا ما كان منتشرًا في الجاهلية عند العرب قبل الإسلام، فكانوا يورثون أموالهم لزعماء القبيلة وكبارها، ومن لا يترك خلفه وصية توزع أمواله لأبنائه الذكور دون الإناث وإن لم يكن له أبناء ذكور ورثه الأقرب إليه مثل: الأخ، والعم، والأب ، أما الزوجات فلم يكن موروثات؛ وذلك لسببين؛ الأول لأن الزوجة حسب اعتقادهم لا تدافع عن القبيلة أو تُحارب في المعارك أو تجلب الغنائم، والسبب الثاني أن المال الذي سترثه الزوجة من زوجها المتوفى سيستولي عليه الرجل الآخر الذي ستتزوجه فيما بعد، ولم يكن حرمان المرأة من الحقوق المالية يقتصر على الميراث بل كان في الوصية والمهر أيضًا.
بقي الحال على ذلك حتى جاء الإسلام وغيَّر هذه القوانين بالية القواعد، وفكَّ عن المرأة هذا الحصار المجحف بحقها، وأقر حقها بالإرث من والديها وأقاربها، فأصبح الميراث نظامًا ربانيًا تشريعيًا اجتماعيًا، وأشرك فيه الجميع الإناث والذكور، والكبار والصّغار، والضعفاء والأقوياء، وأنزل الله أول آية تُقر نصيب المرأة في الميراث، وهي قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7].
كما ذم القرآن الكريم الظلم الواقع على المرأة في قضية الميراث أو اعتبارها مَتاعًا يُورث، وأقر بحرمة ذلك، ومن هذه الآيات قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19]، قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: (كَانُوا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ كانَ أوْلِيَاؤُهُ أحَقَّ بامْرَأَتِهِ، إنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا وإنْ شَاؤُوا زَوَّجُوهَا، وإنْ شَاؤُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا فَهُمْ أحَقُّ بهَا مِن أهْلِهَا، فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ في ذلكَ). [صحيح البخاري: خلاصة حكم المحدث: صحيح]
بهذا يكون الإسلام رد للمرأة كرامتها وأرجع إليها حقها في الميراث الذي لطالما بقي مسلوبًا منها على مر القرون والحضارات القديمة، وفصل هذا الحق في القرآن الكريم، وهذا من الشواهد الدالة على أن الإسلام هو دين يهتم بالمرأة ويُعلي من شأنها مهما كان دورها في هذا المجتمع، أم، أو أخت، أو ابنة، أو زوجة، وبذلك يكون تفوق على جميع الشرائع والقوانين التي وضعها الإنسان، والتي ما زالت حتى يومنا هذا تحاول تشويه صورة الإسلام بتوجيه أصابع الاتهام إليه وإدانته بسوء معاملته للمرأة، متجاهلين فضل الإسلام عليهم جميعًا دون استثناء، غير مدركين أنه تشريع رباني صادر من الله الذي يُعطي فضله لمن شاء[١].
ما هو حكم أكل ميراث البنات؟
يُعد الميراث وصيةً من الله لعباده، وأوصى بتقسيمه تقسيمًا إسلاميًا مُلتزمًا بمنهج القرآن الكريم وعلى الرغم من ذلك إلا أن بعض النّاس وحتى يومنا هذا ما زالت لديهم بعض العادات بحرمان البنات من الميراث تطبيقًا للعادات الموروثة عن آبائهم وأجدادهم، أو بسبب الجشع والطمع الذي يجعلهم يجحدون حق البنات في الورثة، فما حكم ذلك في الإسلام؟
حَرَمَ الإسلام حرمان البنات من الميراث، وعَد ذلك من كبائر الذنوب، وعندما سُئلَ الشيخ عبد العزيز عن التحايل على سلب حق المرأة من الميراث، أجاب: لا يجوز لأحد أن يَحرم المرأة من حقها في الميراث؛ لأن هذا الحق شَرَعهُ الله لها في القرآن، وأكدت عليه السنة النبوية وأجمع عليه جميع العلماء المسلمين، قال تعالى:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176]، لذلك توجَّب على جميع المسلمين العمل بشرع الله في الميراث، ومن أنكر هذا الحق فقد خالف شرع الله المطهر وخالف إجماع علماء الأمة وتشبه بأهل الجاهلية، وهذا ما أكده الشيخ صالح الفوزان عندما سُئل عن الحكم الشرعي لمن يَحرِمون الزوجات من إرث أزواجهن، أو البنات من ورث أبائهن، فأجاب: أن ذلك من أفعال أهل الجاهلية الذين كانوا يحرمون الإناث من حقهن في الميراث[٢][٣].
ما هو نصيب المرأة من الميراث
وضع الله عز وجل الأنصبة في الميراث وفصلها، فلا يجوز لأحد أن يغير أي شيء فيها لا بالزيادة ولا بالنقصان، ولا يجوز لأحد أن يَحرم وارثًا من حق ضمنه الله له، ولا أن يُدخل وارثًا ليس له حق شرعي بأن يورث، وفيما يأتي سنوضح نصيب المرأة من الميراث كما حدده الشّرع:
- إذا توفى أحد المسلمين وكانت لهُ بنت وحيدة ليس لها أخ أو أخت، فيحق لها نصف ميراث الميت، قال تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11][٤].
- إذا توفى أحد من المسلمين وكانت لهُ ابنتان أو أكثر ولم يكن له أبناء ذكور، فيحق لهن الثلثان، قال تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11][٤].
- إذا توفى أحد المسلمين وكان لهُ أولاد ذكور وإناث، يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، أي إن الأنثى يكون نصيبها نصف نصيب أخيها، {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11][٥][٤].
- إذا توفى أحد المسلمين فإن زوجته لها الربع مما ترك زوجها (في حال لم يكن لزوجها أبناء ذكور أو إناث)، وإذا كان للرجل أكثر من زوجة فإن هذا الربع يُقسم بينهن بالتساوي، ويكون ما تبقى من الميراث من نصيب عصبة الزوج، وإن لم يكن لهُ عصبة فيوزع ما تبقى من الميراث بين أرحامه[٥].
للتوضيح: المقصود بالعصبة هم أقرباء الرجل من أبيه وتكون أحقيتهم بالميراث حسب الترتيب التالي: الأبناء، والآباء، والإخوة، والأعمام.
- إذا توفى أحد المسلمين وكان لهُ أولاد ذكور أو إناث، فإن للزوجة الثُمن مما تَرَكَ زوجها وإن كن أكثر من زوجة فيُقسم الثُمن بينهن، ويُقسم ما تبقى من الميراث بين الأبناء[٥].
من حياتكِ لكِ
لم يُشرع الله شيئًا إلا لحكمةٍ ما، وخير ومصلحة للعبد في الدنيا والآخرة قال تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، قال تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: 149]، ولأن تقسيم الميراث هو شأن عظيم ذو أهمية بالغة، فإن الله عز وجل تكفل بتقسيمه ولم يُوكل هذه المُهمة للرسول صلى الله عليه وسلم.
أما الحكمة في جعل نصيب الذكر مثل حظ الأنثيين هي أن الأنثى لا يلزمها المال كما يلزم الرجل؛ لأن الله أوكل نفقتها على أبيها أو على من يُلزمه الشرع النفقة عليها قبل زواجها، وعلى زوجها بعد أن تتزوج، وإن لم تكن لديه القدرة على ذلك وجبت نفقتها على أبنائها، بخلاف الرجل الذي تقع على عاتقه نفقة غيره مثل: الزوجة، والوالدين، والأبناء، أما الحكمة من منح المرأة نصيبًا من الميراث فهو أن يكون لها مال خاص بها تُنفق منه على نفسها في حال لم يكتب الله لها الزواج أو تزوجت ومات زوجها ولم يترك وراءه ميراثًا تنتفع به هي وأولادها.
من واجب المسلم أن يطبق شرع الله ويلتزم بهِ، سواء عَلِمَ الحكمة أو لم يعلمها، إلا أن المسلم يشعر بطمأنينة قلبه عند علمه بالحكمة الربانية في أمر ما[٦][٧].
المراجع
- ↑ د.محمود بن أحمد الدوسري (3_3_2018)، "ميراث المرأة بين الجاهلية والإسلام "، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 15_6_2020. بتصرّف.
- ↑ السيد مراد سلامة (2_11_2015)، "ويل لك يا آكل الميراث (خطبة)"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 15_6_2020. بتصرّف.
- ↑ "حكم حرمان البنات من الميراث"، islamqa، 15_6_2006، اطّلع عليه بتاريخ 15_6_2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "ما هو نصيب البنت في الميراث "، islamqa، 23_6_2001، اطّلع عليه بتاريخ 15_6_2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت رامي حنفي محمود (27_1_2015)، "ملخص لأهم أحكام المواريث بأسلوب بسيط جدا"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 15_6_2020. بتصرّف.
- ↑ "الحكمة من جعل الله نصيب الذكر مثل حظ الأنثيين "، islamweb، 28_1_2002، اطّلع عليه بتاريخ 15_6_2020. بتصرّف.
- ↑ "حق النساء في الميراث، والحكمة من جعل نصيب المرأة نصف نصيب الرجل"، alukah، 19_10_2014، اطّلع عليه بتاريخ 15_6_2020. بتصرّف.