قيام الليل
يُعد قيام الليل من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، ففيها تُضاعف الحسنات، وتكفّر السيئات، وقد وردت الكثير من الآيات الكريمة التي تحثّ المسلم على قيام الليل لما فيه من الأجر العظيم، إذ يقول تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]، كما أن من الشرف العظيم لهذه العبادة أن الله تعالى يتنزّل في آخر الليل كُرمةً لعباده، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ينزِلُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدُّنيا حينَ يبقى ثلُثُ اللَّيلِ الآخرِ فيقولُ مَن يدعوني فأستجيبَ لَه من يسألُني فأعطيَه من يستغفرُني فأغفرَ لَه) [الاعتقاد للبيهقي| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، لذا فإن قيام الليل علامة على المتيقّنين من عباد الله، وهو الوقت الذي تُطلب فيه الحاجات، وتقضى فيه الكربات، فالواجب على المسلم والمسلمة أن يحافظوا على هذه العبادة، وأن يُعمِروا ليلهم بالصلاة وقراءة القرآن والذكر، ولعل الدعاء من أفضل ما يناجي به العبد ربّه، خصوصًا في هذا الوقت، وفي هذا المقال سنذكر بعض الأدعية المأثورة عن رسول الله والتي يمكن للمسلم أن يدعو بها في قيام الليل.[١]
أفضل دعاء في قيام الليل
إن قيام الليل من أفضل الأوقات للدعاء، فبالحديث المتقدم ذكره كان أول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء، كما أن الدعاء في هذا الوقت جاء مطلقًا، ولم يُحدده رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظٍ خاص، أي إن المسلم له أن يدعو، ويجتهد في دعائه بما شاء، وكيفما شاء، وقد وردت عنه عليه السلام بعض الأحاديث التي تتصل بهذا الأمر، وفيما يأتي ذكر لبعضها:[٢][٣]
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وسُبْحَانَ اللَّهِ، ولَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ له، فإنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن أوَى إلى فِراشهِ طاهرًا يذكرُ اللهَ تعالى حتَّى يدركَهُ النُّعاسُ لم يتقلَّبْ ساعةً من اللَّيلِ يسألُ اللهَ شيئًا من خيرِ الدُّنيا والآخرةِ إلَّا أعطاهُ إيَّاهُ) [تخريج مشكاة المصابيح| خلاصة حكم المحدث: حسن كما قال في المقدمة].
- ورد عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (سألَتْهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عائشةُ رضي الله عنها إنْ وافقتُها فبِمَ أدعو؟ قال قولي اللهمَّ إنك عفوٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عني) [أعلام الموقعين| خلاصة حكم المحدث: صحيح ].
فضائل قيام الليل
لقيام الليل الكثير من الفضائل التي ينالها المسلم في حياته، وفي آخرته، وفيما يأتي بيان لبعضها:[٤]
- المديح الإلهي: لقد مدح الله تعالى القائمين بالليل، إذ قال: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16-17].
- الفضل الخاص: من فضائل قيام الليل أن الله يميّز أهله عن غيرهم من العباد، إذ يقول في ذلك: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].
- أجر الصلاة عظيم: من فضائل قيام الليل أن الصلاة فيه تزيد بأجرها عن صلاة التطوع في النهار، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- من أسباب دخول الجنة: إن من فضائل قيام الليل أنه من أسباب دخول الجنة، وقد روى عبد الله بن سلام أنه: (لمَّا قدِمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ المدينةَ انجفلَ النَّاسُ قبلَهُ قالوا: قدِمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم. فجئتُ لأنظرَ فلمَّا رأيتُهُ عرفتُ أنَّ وجْهَهُ ليسَ بوجْهِ كذَّابٍ. فَكانَ أوَّلُ شيءٍ سمعتُهُ منْهُ أن قالَ: يا أيُّها النَّاسُ أطعِموا الطَّعامَ، وأفشوا السَّلامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجَّنَّةَ بسَلام) [تاريخ الإسلام| خلاصة حكم المحدث: صحيح ].
- شرف للمؤمن: قد يظن البعض أن شرف الإنسان في ماله وجاهه ومنصبه، ولكنّ شرف المؤمن الحقيقي هو قيام الليل، إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريلٌ، فقال: يا محمدٌ! عشْ ما شئتَ فإنكَ ميتٌ، وأحببْ منْ شئتَ فإنكَ مفارقُهُ، واعملْ ما شئتَ فإنكَ مجزيٌّ بهِ، واعلمْ أنْ شرفَ المؤمنِ قيامُهُ بالليلِ، وعزَّهُ استغناؤهُ عنِ الناسِ) [الجامع الصغير| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- موافقة ساعة التنزّل الإلهي: إن من فضائل قيام الليل أن المؤمن يوافق فيها الساعة التي ينزل الله فيها إلى السماء، ليستجيب للداعي، ويغفر للمستغفر، ويعطي أصحاب الحاجات ويستجيب لهم دعاءهم.
- الوصف بنِعم الرجل: قد أثنى رسول الله على قائم الليل، فيما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (رَأَيْتُ علَى عَهْدِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَأنَّ بيَدِي قِطْعَةَ إسْتَبْرَقٍ، فَكَأَنِّي لا أُرِيدُ مَكَانًا مِنَ الجَنَّةِ إلَّا طَارَتْ إلَيْهِ، ورَأَيْتُ كَأنَّ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا بي إلى النَّارِ، فَتَلَقَّاهُما مَلَكٌ، فَقالَ: لَمْ تُرَعْ خَلِّيَا عنْه، فَقَصَّتْ حَفْصَةُ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إحْدَى رُؤْيَايَ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: نِعْمَ الرَّجُلُ عبدُ اللَّهِ لو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَكانَ عبدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وكَانُوا لا يَزَالُونَ يَقُصُّونَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرُّؤْيَا أنَّهَا في اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَرَى رُؤْيَاكُمْ قدْ تَوَاطَأَتْ في العَشْرِ الأوَاخِرِ، فمَن كانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
مما سبق من أحاديث نبوية شريفة يمكن أن نقول إن قيام الليل من العبادات التي ينبغي لكلّ مسلمٍ ومسلمةٍ، أن يحافظوا عليها، بل ويتسابقوا إليها بكل عزمٍ ونشاط، إذ إنّ ما يتحصل بها من خيري الدنيا والآخرة يفوق ما يتبادر إلى ذهن المسلم من صعوبات في القيام والصلاة، كما يجب أن يتجه المسلم في مقاصده وغاياته إلى الله تعالى بالدعاء في هذا الوقت واجتناب السهر الذي لا طائل منه، والذي يكون عادةً في الأمور التي تبتعد بمكنونها عن رضى الله عز وجل، هذا والله أعلى وأعلم.
المراجع
- ↑ "فضل قيام الليل"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 21-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "فضل الدعاء في الثلث الأخير من الليل ."، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 21-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "الدعاء المشروع في قيام الليل"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 21-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "فَضْلُ قِيامِ الليْلِ"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 21-12-2019. بتصرّف.