محتويات
الخمر
وضع الإسلام الكثير من القوانين التي تحمي المُسلم والمجتمع، وحرَّم عليهم ما يَضرُّ، وأحلّ لهم ما فيه خيرٌ للبشرية، وما منعنا الدين من أمر خبيث إلا عَوضنا عنه بشيء طيب، قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 57]، ويُعرف عن طبيعة النفس البشرية أنها تتبع شهواتها من غير التفكير بما يترتب على ذلك من ضرر للجسم البشري، وقد علّم الإسلام المسلمين أهميّة ترويض النفس وعدم تركها بلا مراقبة، مع اتّخاذ أسلوب الوقاية والعلاج، وكانت الخُمور منتشرةً في فترة الجاهلية كثيرًا لدرجة أنّها كانت تُشرب في البُيوت دون أن يوجد خطأ في ذلك، بل إنّ الأمر تعدى إلى مدحها بالأشعار والتباهي بها.
جاء الحل من عند الله تعالى لهذه المشكلة بأسلوب مُتدرّج، ففي البداية بدأ القرآن الكريم بتنفير المُسلمين من الخمر، وعندما ذُكر الخمر مع الثمرات والنخيل وصف الله الثمرات على أنّها رزقٌ حسن لكن لم يصف السُكر بذلك، كما بيَّن الله تعالى في كتابه الكريم أضرار الخمر التي تفوق بكثير منافعه البسيطة، ثم جاء تحريم شُرب الخمر عند اقتراب وقت الصلاة وعدم الاقتراب من الصلاة في حالة سُكر، وفي المرحلة الأخيرة وبعد أن تَهيأت النُفوس وعَلِم الناس أضرار الخمر، وما يُمكن أن يؤديه شرب الخمر من أضرار على الناس جاء التحريم النهائي للخمر؛ إذ عُدّ من عمل الشيطان وأُلزم المُسلمون بالابتعاد عنه[١].
حكم صلاة شارب الخمر
لا شكّ في أنّ شُرب الخمر يُؤدّي إلى ارتكاب معاصٍ كبيرة، ويُوقع الإنسان في الفاحشة، وهذا يتناقض مع أخلاق الصلاة، فقال تعالى: {وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر} [العنكبوت: 45]، وشُرب الخمر بحدّ ذاته من الأمور التي تُلهي المُسلم عن أداء الصلاة لأنه يكون فاقدًا للعقل، أمّا إن ذهب مفعول الخمر، وتَوضأ وأدى الصلاة فنرجو مِن الله تعالى أن يقبل منه صلاته، فهي فريضة عليه أداؤها، وشُرب الخمر معصيةٌ ارتكبها، فتُكتب له حسناته بعد أداء الصلاة وتُكتب عليه سيئاته بعد شرب الخمر، ولا يَنبغي علينا حثّ شارب الخمر على عدم الصلاة بحُجة أنّها غير مقبولة، لأنّ من يُصلّي يظل متمسكًا بالأمل بالعودة إلى الطريق الصحيح، فشارب الخمر الذي يؤدّي الصلاة يبقى أفضل من شارب الخمر الذي يترك الصلاة حتى وإن كان غير ملتزم بأدائها على وقتها مثلما أمر الله تعالى ورسوله[٢].
ممّا يتعلق بأحكام الصلاة لشارب الخمر فهي صلاة غير مقبولة؛ قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (مَن شرِبَ الخمرَ وسَكِرَ، لم تُقبَلْ لَهُ صلاةٌ أربعينَ صباحًا، وإن ماتَ دخلَ النَّارَ، فإن تابَ تابَ اللَّهُ علَيهِ، وإن عادَ، فشَربَ، فسَكِرَ، لم تُقبَلْ لَهُ صلاةٌ أربَعينَ صباحًا، فإن ماتَ دخلَ النَّارَ، فإن تابَ، تابَ اللَّهُ علَيهِ، وإن عادَ، فشربَ، فسَكِرَ، لم تُقبَلْ لَهُ صلاةٌ أربعينَ صباحًا، فإن ماتَ دخلَ النَّارَ، فإن تابَ تابَ اللَّهُ علَيهِ، وإن عادَ، كانَ حقًّا على اللَّهِ، أن يسقيَهُ من ردغةِ الخبالِ يومَ القيامة، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ وما ردغةُ الخبالِ؟ قالَ: عُصارةُ أَهْلِ النَّارِ) [صحيح ابن ماجة| خلاصة حكم المحدث: صحيح][٣].
العلة في تحريم شرب الخمر
كان شرب الخمر معروفًا في الجاهلية، إلا أن البعض كان يرفض شرب الخمر دون أن يُعلِّل رفضه لسبب ديني أو عقائدي؛ لكنّهم قالوا إنّهم لا يَشربون ما يُذهب عُقولهم، ومع وضوح أضرار شرب الخمر أصبح من الواجب على علماء الدين تحريم شربه والتحذير منه ومن الأضرار المُترتبة على شُربه، إذ يُزيِّن الشيطان للناس شُرب الخمر لأنه يُذهب العقل، ويُفسد أخلاق الناس وأعمالهم، فتجد شارب الخمر مُعرّضٌ لأن يقتل أقرب الناس إليه، أو أن يُوقع الضرر على نفسه؛ إذ إنّه غير مُدرك لما يفعل وفاقدٌ لعقله، وقد حرّمها الله تعالى في سبع مواضع في القرآن الكريم نذكر منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90]، ففي هذه الآية الكريمة يبين الله تعالى أن شرب الخمر عمل خبيث ومُحرم مَثَلُه كَمَثل عبادة الأصنام، كما أنها من الأعمال التي يشجع عليها الشيطان، وقد بيَّن الله تعالى أيضًا أنّ الشيطان يُريد شرب الخمر لإيقاع العداوة بين الناس؛ فبعد أن يُفيق شارب الخمر ويَرجع إلى وعيه يمتلئ قلبه بالضغينة لِرِفاقِه الذين أغروه بهذا المُنكر، وبيّن الله تعالى أنّ شرب الخمر يُلهي المُسلم عن ذكر الله وأداء العبادات المطلوبة مثل الصلاة[٤].
عقوبة شرب الخمر في الدنيا والآخرة
ينتهي المَطاف بشارب الخمر إلى الانحراف عن الطريق الصحيح الذي أرشدنا إليه دينُنا الحنيف، وإلى دمار شامل قد لا ينتهي بتدمير شارب الخمر، لكن قد يصل إلى تدمير الأُسَرْ، ولِشارب الخمر عُقوبة بَيَّنَها الدين الإسلامي في الدنيا والآخرة. تَوعد الله عزَّ وجل شارب الخمر بأُمور ينزلها عليه في الدنيا؛ مثل اللَّعن والطرد من رحمة الله، فعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أتاني جبريلُ فقال: يا محمدُ إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لَعَنَ الخمرَ وعاصِرَها ومُعتصِرَها وشارِبَها وحامِلَها والمحمولةَ إليه وبائِعَها ومُبتاعَها وساقِيها ومُستَقِيها) [مسند أحمد| خلاصة حكم المحدث: إسناد صحيح]، ومن عقوبات شرب الخمر في الدنيا ضياع الايمان، وإن مات شارب الخمر دون توبة كان جزاؤه نار جهنم[٣].
تصرّف الزوجة تجاه زوجها إذا كان شاربًا للخمر
يجب على الزوجة أن تنصح زوجها إذا عَلِمت أنه يَشرب الخمر، أو إذا جَلب الخمر إلى البيت، وعليها أن تُبيِّن له ما يترتب على شرب الخمر في الدنيا والآخرة، وعليها أن تُذكره بأنه القُدْوة لأبنائه، وعَليه أن يكون قُدوةً حسنةً لهم لأن الأبناء يقلدون الآباء في أفعالهم وتصرفاتهم، أما بما يتعلق بالمعاشرة الزوجية بين الزوجين في حالة شُرب الخمر فهي حلال شرعًا وإذا نتج عن هذه العلاقة إنجاب فالأبناء شرعيون لأن شرب الخمر لا يبطل عقد الزواج، أما اذا وصل الرجل لمرحلة اعتبار الخمر حلالًا وعدم الاعتراف بحُرمَتِه فَهُنا يقع في الكُفر ويُفسخ عقد الزواج[٥].
على الزوجة أن تدعو الله تعالى أن يهدي زوجها ويُبعده عن هذه الشرور وأن يرفع عنهم هذه المصيبة، ويقع على عاتق الأُم في هذه الحالة مسؤولية كبيرة وهي السعي من أجلِ إدراك الأبناء، وتربيتهم تربيةً سليمةً قائمةً على تَعليمهم تعاليم الدين الإسلامي، وبيان أن ما يقوم به الأب من شُربٍ للخمر حرام ولا يرضي الله تعالى[٥].
المراجع
- ↑ أ.د. راغب السرجاني (28-4-2010)، "علاج رسول الله لمشكلة المسكرات والمخدرات"، islamstory، اطّلع عليه بتاريخ 2-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "صلاة شارب الخمر"، fatwa.islamonline، اطّلع عليه بتاريخ 2-12-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب منديل بن محمد آل قناعي الفقيه (30-5-2011)، "الخمور والمخدرات وأضرارها"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "أسباب تحريم الخمر"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 2-12-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "معاشرة من يشرب الخمر ويحتفظ به في بيته"، islamweb، 26-12-2000 ، اطّلع عليه بتاريخ 2-12-2019. بتصرّف.