دروس وعبر من الحج

دروس وعبر من الحج

الحج

قد شرع الله تعالى للمسلم العديد من العبادات التي يرتقي بها إلى أعلى المنازل، وأفضل الدرجات، بما في ذلك عبادة الحج التي تُعد من أسمى وأرفع العبادات الإسلامية، ففيها تتحقق الكثير من الفوائد والفضائل الكريمة، فهي سنّةٌ متوارثةٌ منذ سيدنا إبراهيم عليه السلام، حتى أنّ الله تعالى فرضها على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في السنة التاسعة للهجرة، إذ يقول الله تعالى في محكم التنزيل: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]، أما عن منزلة الحج وفضله في شريعتنا الحنيفة فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه أبو هريرة قال: (سُئِل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أيُّ الأعمالِ أفضلُ أو أيُّ الأعمالِ خيرٌ قال إيمانٌ باللهِ ورسوله قيل ثمَّ أيُّ قال الجهادُ سِنامُ العملِ قيل ثمَّ أيُّ قال ثمَّ حجٌّ مبرورٌ) [الكافي| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، لذلك لا بدّ للمسلم أن يُحيي هذه الشعيرة العظيمة لينال من فضائلها الشيء العظيم، كما أن للحج دروسًا وعبرًا سنتحدث عنها في هذا المقال[١].


دروس وعبر من الحج

توجد الكثير من الدروس والعبر التي يُستفاد منها في حج بيت الله الحرام، نذكر منها ما يأتي[٢]:

  • زيادة تقوى الله عز وجل من خلال توحيده، إذ إنّ تأدية هذا الركن العظيم يُعلم المسلم تجنب فعل المعاصي والآثام، من خلال التزامهم بأوامر الله في ترك الرفث والفسوق والجدال في الحج من خلال قوله سبحانه وتعالى: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197]، وتجدر الإشارة إلى أنّ التقوى تتحقق من خلال توحيد الله عز وجل من خلال تجنب إشراك أحد مع الله تعالى في العبادة، ويتجلى ذلك بوضوح في الحج، إذ إنّ الحجاج يجيبون ربًا واحدًا من خلال قولهم: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك".
  • تحقيق وحدة المسلمين وقوتهم، فيتحقق ذلك من خلال تجمع المسلمين على اختلاف بلدانهم ولغاتهم وألوانهم في مكانٍ واحدٍ، ولتأدية مناسك واحدة، إذ يُعد هذا درسًا للمسلمين يُعلمهم أهمية الاجتماع ونبذ التفرق، وقد أمرنا بذلك ربنا عز وجل في كتابه الكريم من خلال قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]، كما قال سبحانه وتعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
  • تبرز الأخوة بين المؤمنين، كما تختفي الفوارق بينهم، علاوةً على أن الحجيج تسودهم المودة والرحمة، إذ يُعين قويه الضعيف، وغنيه الفقير، وشبابه المشيب، وفيه يتحقق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم كمثلِ الجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالحمى والسهرِ) [مجموع الفتاوى| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • يُذكّر لباس الإحرام بالكفن والموت، إذ يتوجب عليه خلع المَخيط من الثياب ويرتدي رداء الإحرام، فهي ملابس مشابهة للكفن، فيذكر المسلم ذنوبه ومعاصيه، فيبادر بالندم والتوبة، والعزم على الالتزام بما شرع الله وأمر.
  • يُذكر الحج باليوم الآخر، فالمسير الذي يقطعه الحاج يذكر بالنشور والبعث، إذ يقول الله تعالى {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۚ ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج: 43، 44]، إذ يتشابه الموقف في حج بيت الله الحرام مع يوم النشور، مما يؤدي بالمسلم إلى استشعار عظمة هذا الموقف، فيُعدّ له العدة.
  • يؤكد الحج على مخالفة المشركين، وذلك بالتوحيد الخالص لله تعالى وحده، إذ إن المشركين قبل الإسلام كانت تلبيتهم تشرك بالله، بالإضافة للعديد من المخالفات في مناسك الحج، وفي ذلك تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (كانَتْ قُرَيْشٌ ومَن دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بالمُزْدَلِفَةِ، وكَانُوا يُسَمَّوْنَ الحُمْسَ، وكانَ سَائِرُ العَرَبِ يَقِفُونَ بعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا جَاءَ الإسْلَامُ أمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ، ثُمَّ يَقِفَ بهَا، ثُمَّ يُفِيضَ منها فَذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أفِيضُوا مِن حَيْثُ أفَاضَ النَّاسُ}) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • يُعوّد الحج المسلمين على الصبر على الطاعات والعبادات، وذلك نظرًا لما يعانيه الحاج من صعوبات في أداء مناسك الحج من انتظار وزحام، وما إلى ذلك من أمور وفي ذلك يقول الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران: 200].
  • يُعوّد المسلم على عبادة الدعاء، واللجوء إلى الله تعالى في شتى أمور حياته، وذلك لعلمه ما للدعاء من فضل، وأن دعاء الحاج من الأدعية المستجابة، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (خيرُ الدُّعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ وخيرُ ما قلتُ أنا والنَّبيُّونَ من قبلي لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ) [تخريج مشكاة المصابيح| خلاصة حكم المحدث: حسن كما قال في المقدمة]، وذلك لأن يوم عرفة أكثر الأيام التي يُعتق الله فيها رقابًا من النار، قال عليه الصلاة والسلام (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • يُكفّر الحج المبرور ما اقترفه المسلم من ذنوبٍ في حياته، وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام (مَن أَتَى هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كما وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. [وفي رواية]: مَن حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، كما قال أيضًا (تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرة، فإنَّ متابعةً بينهما تنفي الفقرَ والذنوبَ كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديدِ) [جامع المسانيد والسنن| خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن].


حكم الحج للمرأة دون محرم

قد تتساءل النساء عن إمكانية الحج دون محرم لا سيّما إذا لم يتوفر وجوده في حياتها، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه أبو سعيد الخدري قال (لا صَوْمَ يَومَ عِيدٍ، ولا تُسافِرُ امرَأةٌ ثلاثًا إلَّا مع ذي مَحرَمٍ. ولا تُشَدُّ الرِّحالُ إلَّا إلى ثلاثةِ مَساجِدَ: مَسجِدِ الحَرامِ، ومَسجِدِ المدينةِ، والمَسجِدِ الأقْصى) [تخريج المسند| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح على شرط مسلم]، ويُشار بأن بعض أهل العلم ذهبوا إلى أن للمرأة أن تحج مع مجموعة من النساء الثقات، لكن هذا الرأي خالفه بعض العلماء الآخرين استنادًا على الحديث المتقدم ذكره، هذا والله أعلم[٣].


المراجع

  1. "الحج (تعريفه - منزلته - حكمه - شروطه)"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2019. بتصرّف.
  2. "الحج دروس وعبر"، almoslim، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2019. بتصرّف.
  3. "حكم حج المرأة مع نساء بدون محرم"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :