حكم عيد الأم فى الإسلام
لا يوجد في الإسلام أعياد يُحْتَفَلُ بها سِوى عيديّ الفطر والأضحى، وعدا عن ذلك فإنَّ الاحتفال بالأعياد الأخرى يُعدُّ بدعة لا أصل لها عند السلف الصالح، بل من الممكن أن تكون من ابتداع غير المسلمين من الشعوب، وبالتالي يُعدُّ من يحتفل بها متبعًا ومتشبهًا بأفعال غير المسلمين، فعيد الأم وغيره من الأعياد المبتدعة باطلة، وقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ المبتدع لأمور ليست في الدين فهي مردودة عليه ولا تُقبل عند الله تعالى، لذا فإنَّ الاحتفال بعيد الأم غير جائز في الإسلام، ويجب على المسلم الاعتزاز بأحكام دينه الإسلامي والالتزام بما حدَّه عليه الله عز وجل ورسوله الكريم التزامًا تامًا دون زيادة أو نقصان، فلا يجوز له الاحتفال بهذا اليوم أو إظهار طقوس الفرح والسعادة وتقديم الهدايا وما إلى ذلك من فعاليات احتفال، إذ يتوجَّب على المسلم أن يكون قدوة لمن غيره وحريٌّ به أن يُقوِّي شخصيته ضمن ضوابط الشريعة الإسلامية ليتبعه الآخرون، لا أن يتَّبع هو البدع التي لا أصل لها، والأم في الإسلام لها الحق بالاحترام والتقدير والاهتمام في جميع الأوقات وفي كافة أيام السنة، فحقها على أبنائها لا يقتصر على يومٍ واحد في السنة بل الحق لها برعاية أبنائها لها وطاعتها ضمن حدود طاعة الله عز وجل ودون معصيته[١].
نشأة عيد الأم
يُشير بعض المؤرخين إلى أنَّ الظهور الأول للاحتفال بعيد الأم كان عند الإغريق تحديدًا في فصل الربيع من كل عام، إذ كانوا يُهدون هذا الاحتفال للأم ريا زوجة كرونس الذي كان يُعدُّ الإله الأب لديهم في ذاك الوقت، وفي روما أيضًا شاع هذا الاحتفال وكانت تُسمى عند الرومان احتفالات هيلاريا وكان ظهورها قبل 250 عامًا من ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام، وفي إنجلترا احْتُفِلَ بعيد الأم في العام 1600م، وكان يحتفل به في يوم الأحد ويأخذ به الأبناء الهدايا والمأكولات لأمهاتهم، أما في البلاد العربية فكان الظهور الأول للاحتفال بعيد الأم في مصر تحديدًا في عام 1956م[٢].
مكانة الأم في الإسلام
لقد كرَّم الإسلام المرأة ورفع من شأنها في المجتمع الإسلامي، وبالأخص أعطى المكانة الأهم للأم ووضعها في منزلة سامية وارتقى بها، فربما يحتفل غير المسلمين بأمهاتهم في يومٍ واحد من أيام السنة، على عكس المسلمين الذين يحتفلون بوجود أمهاتهم في كافة أيام السنة دون الخصوص، فالأم في الإسلام لها شأنٌ خاصٌّ وفضل عظيم على الأمة، ولها رسالة جليلة وسامية تنقلها من جيلٍ لآخر، فالأم تمثلُ المدرسة والقدوة في المجتمع، وهي ذات أهمية كبيرة لأسرتها كأهمية القلب للجسد، فهي التي تُنجب الأطفال وتُربيهم وتحتضنهم لِتُخرج للمجتمع أجيالًا مسلمة متعلمة بأخلاق وعادات إسلامية، فضلًا عن أنَّها شريكة الرجل في تنشئةأسرة صالحة، وتمضي معه قُدمًا في الحياة الزوجية والاجتماعية التي تليق برسالتها كأم، وقد منح الإسلام الأم القيادة لشؤون بيتها وأسرتها لتُسيِّرها ضمن ضوابط الشريعة الإسلامية، وقد ذُكر ذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (..والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها..) [٣].
إضافةً إلى ذلك فقد أعطى الإسلام الأم الأولوية في التعامل الحسن والتلطُّف والإحسان من قِبل أبنائها، والسبب في ذلك ما تحملته من تعب ومشقة في الحمل والولادة والرضاعة وتربية الأبناء وتنشئتهم، وقد بيَّن الإسلام ضرورة ردِّ المعروف للوالدين وخاصةً الأم متضحًا ذلك في قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [٤]، وقد كرَّم الإسلام الأم المسلمة أيضًا ومنحها حق الإجازة والتأمين للغير في عملها، ومنحها كافة الحقوق في الحياة الاجتماعية والدستورية، وكل ذلك يدلُّ على رِفعة الدين الإسلامي، فهو دين الفطرة السليمة الذي جاء به الرسول الكريم للإنسانية والأمة جمعاء[٥].
مظاهر بر الأم
خلق الله سبحانه وتعالى الأم ودبَّ في قلبها الرحمة تجاه أبنائها، فتبقى دائمة الخوف عليهم والتفكير في ما يحتاجونه، وتسهر ليلها قلقًا عليهم، لذا فإنَّ من أبسط حقوقها أن يبرَّها أبناؤها عندما يكبرون، وقد حثَّ الله تعالى على برِّ الوالدين وطاعتهم وأعطى الأم الأهمية الأكبر في البرِّ، ومما دلَّ على ذلك الحديث النبوي (جاء رجلُُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال: (أمك)، فقال: ثمّ من؟ قال: (أمك)، قال: ثمّ من؟ قال: (أمك)، قال: ثمّ من؟ قال:(أبوك).[٦]، فالأم لها الحق في برِّ ابنها بها وتلبية رغباتها وحاجاتها دون اضطرارها لطلب ذلك، وفي ما يأتي مجموعة من الصور التي تُمثل مظاهر بر الأم[٧]:
- التذلُّل في المناداة: كما نادى سيدنا إبراهيم على أبيه في الآية الكريمة {يا أَبَتِ لا تَعبُدِ الشَّيطانَ إِنَّ الشَّيطانَ كانَ لِلرَّحمـنِ عَصِيًّا} ، فيجب اتباع هذا الأسلوب في مناداة الأم كأن تنادى أُماه، أو حبيبتي، أو يا غالية، وعند الردِّ عليها يُقال لها أبشري أو أُؤمري يا أُماه.
- التواضع بين يديها: يجب على الأبناء التعامل مع الأم بلين والنظر إليها برحمة وإشفاق، وتجنُّب التحديق عند النظر إليها، وعدم رفع الصوت أمامها أو عليها.
- التواصل معها: من حق الأم على أبنائها تواصلهم معها وإخبارها عن حالهم، وأوقات سفرهم حتى وإن كانوا متزوجين ويعيشون بعيدًا عنها.
- الدعاء لها: تستحق الأم من أبنائها بعد تعبها في تربيتهم دعاءهم لها في حياتها وبعد مماتها.
- بذل المال في سبيلها: يمكن للأبناء برُّ والدتهم من خلال إنفاق مالهم لأجلها كتقديم الهدايا لها، أو إقامة وقف لها في حال تمكَّنوا من ذلك.
- تجنُّب العقوق: أوصى الله تعالى بتجنُّب عقوق الوالدين وحثَّ على برِّهما، ومن حق الأم على أبنائها جلوسهم معها ومشاركتها الأحاديث التي تُفرحها، وإعطاء زيارتها الأولوية عن باقي الزيارات الأخرى.
- ↑ محمد صالح العثيمين (2007-01-12)، "ما حكم الاحتفال بما يسمى عيد الأم؟"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-27. بتصرّف.
- ↑ "عيد الأم نبذة تاريخية ، وحكمه عند أهل العلم"، الإسلام سؤال وجواب، 2018-01-24، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-27. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2558، صحيح.
- ↑ سورة لقمان، آية:14
- ↑ محمد الحسيني السحرتي (2015-02-17)، "مكانة الأم في الإسلام "، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-27. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:2548، صحيح.
- ↑ عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي (2019-03-05)، "بر الأم في الإسلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-27. بتصرّف.