هل يجوز تقبيل الزوجة في رمضان

هل يجوز تقبيل الزوجة في رمضان

العلاقة الزوجية في رمضان

يُعد شهر رمضان مضمارًا للتنافس على الطاعات والأعمال الصالحة، فهو فرصة ثمينة لمحو الذنوب ونيل الحسنات، وهو شهر فضيل تُغلق فيه أبواب النار وتُفتح أبواب الجنة، ويكون هذا الشهر فرصةً ثمينةً لمسح غبار الخلاف والشقاق بين الزوجين، ففيه تسمو الأرواح وتتآلف القلوب، ليخرج الزوجان من هذا الشهر وقد ازدادت المحبة والألفة بينهما، ومع دخول شهر رمضان تحدث الكثير من الانقلابات في نمط الحياة فيوجد تغيير في مواعيد الطعام والنوم والعمل، وحتى تغيير في طبيعة العلاقة الزوجية، كما توجد حدود وضوابط شرعية يجب مراعاتها[١][٢].


فكما منع الله الطعام والشراب في نهار رمضان، فإنه منع اقتراب الزوج من زوجته بهدف قضاء شهوته، ولهُ أن يجالسها ويُكلمها ويدرسها وغير ذلك من الأمور المُعتادة التي ليس بها جماع، أو مقدماته مثل: الضم، واللمس، والتقبيل فهذه كلها أفعال تثير الشهوة فالأفضل الابتعاد عنها للمحافظة على صحة الصّيام، وقد امتدح الله عباده الذين يتركون شهواتهم طمعًا في رضوانه والتقرب إليه، وذلك في قوله عز وجل في الحديث القدسي: (يَدَعُ شهوتَه وطعامَه من أجلِي) [صحيح الترغيب| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ومن أخطر المُقدمات في نهار رمضان المباشرة؛ لأن فعلها قد يؤدي إلى الإنزال الذي يتسبب بإفساد الصوم كما أن ملامسة فرج الزوج لفرج زوجته دون مانع بينهما من الأفعال المُحرمة حتى لو لم تكن نتيجة هذه المُلامسة الإيلاج أو الإنزال[٣].


عندما سُئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ماذا يجوز للزوج الصائم من زوجته الصائمة؟ أجاب: أنه لا يجوز للزوج الصائم أي فعل يكون سببًا في إنزاله، وأكمل بأن النّاس يختلفون في سرعة الإنزال فمنهم من لديه القدرة الكاملة على التحكم بنفسه والسيطرة عليها فيكون إنزاله بطيئًا فإذا كان المُسلم كذلك فله أن يُقبل ويَضم ولكن إياه والجماع، ومنهم من ليست لديه القدرة على التحكم والسيطرة على نفسه فيكون سريع الإنزال لذلك فالأولى له الابتعاد عن مداعبة زوجته أو تقبيلها خوفًا من إنزاله[٤].


هل يجوز تقبيل الزوجة في رمضان؟

يجوز للزوج تقبيل زوجته في نهار رمضان ولا يضر ذلك بصحة صومه، وكذلك لو نام جانبها أو لمسها، لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت:(كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يقبِّلُ وَهوَ صائمٌ ويُباشرُ وَهوَ صائمٌ) [صحيح أبي داود| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (هشَشتُ فقبَّلتُ وأَنا صائمٌ، فقُلتُ: يا رسولَ اللَّهِ صنَعتُ اليومَ أمرًا عَظيمًا؛ قبَّلتُ وأَنا صائمٌ قالَ: أَرأَيتَ لو مَضمَضتَ منَ الماءِ، وأنتَ صائمٌ قُلتُ: لا بأسَ بِهِ، قالَ: فمَهْ) [صحيح أبي داود| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وهذا يدل على أن القبلة كالمضمضة لا تضر بالصوم، هذا إن لم يخرج منه شيء، أما إذا خرج من فرجه مني فهذا يبطل الصّيام، ولو نَزلَ منه المذي على طرف الذكر فصيامه صحيح، والمقصود بالمذي: ماء لزج يخرج بسبب الشهوة، ولا يُسبب نزوله فساد الصوم، بينما يَفسد الصوم بنزول بالمني، والمقصود بالمني: هو الماء الغليظ الذي ينزل بتدفق ويرافقه شعور باللذة بسبب الشهوة، فمن كان يخشى نزول المني لسرعة شهوته توجب عليه الابتعاد عن تقبيل زوجته[٥].


من الأسئلة التي يسأل الصائم عنها في شهر رمضان؛ حكم رؤية الزوج الصائم لزوجته وهي لا ترتدي الثياب؟ فالواجب على المُسلم الصائم لرمضان حفظ بصره وجميع جوارحه خوفًا من فساد صومه، فإن كان المُسلم مثلًا يتعمد النظر لزوجته وهي عارية من الثياب مما يكون سببًا في تحريك شهوته وبالتالي نزول المني منه، فهذا مُبطل لصومه[٦].


هل تقبيل الزوجة يبطل الوضوء؟

كما ذكرنا فيما سبق فإن تقبيل الزوجة لا يفطر الصيام وكذلك لا ينقض الوضوء، وقدوتنا في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يقبل زوجته ويباشر وهو صائم، وكان أيضًا يقبل ثم يصلي دون أن يتوضأ مرةً أخرى، وهذا هو الراجح، أما في قوله جل جلاله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] فالمقصود في هذه الآية هو الجماع وهذا في أصح أقوال العلماء المسلمين، وقال بعض العلماء بأن القُبلة للمرأة عن شهوة سبب في إفساد الوضوء ولكنها لا تُفطر الصائم، ولكن الصحيح أن القُبلة لا تفطر الصائم ولا تبطل الوضوء، إما إذا قَبل الرجل زوجته وخرج منه مني فقد بطل صومه و توجب عليه القضاء، وهذا ينطبق على المرأة التي خرج منها المني، أما إذا خرج المذي فإنه لا يبطل الصيام ولكن يتوجب الوضوء؛ لأن نزوله يبطل الطهارة من الرجل والمرأة، فيتوجب على الرجل الاستنجاء وغسل الذكر والأنثيين ثم الوضوء الشرعي المُعتاد قبل كل صلاة، وكذلك المرأة إن نزل منها المذي فعليها الاستنجاء وغسل الفرج ثم الوضوء، أما القبلة أو لمس اليد دون أن يتبعهما نزول المني أو المذي فالصحيح أنه لا يبطل الوضوء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض نسائه ثم يصلي دون أن يتوضأ[٧].


من حياتكِ لكِ

يُعد الجماع في نهار شهر رمضان هو السبب الوحيد الذي يتوجب عليه القضاء والكفارة، فإذا جامعكِ زوجكِ في نهار رمضان متعمدًا ولديه المعرفة المسبقة بحرمة ذلك فعليه القضاء والكفارة، وهذا ما أجمعت عليه المذاهب الأربعة، وتكون الكفارة بعتق رقبة، فإن لم يجد شخصًا يعتقه، توجب عليه صيام شهرين متتابعين دون انقطاع بينهما، وإن لم يستطع تحمل الصوم فتوجب عليه إطعام ستين مسكينًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: ما لَكَ؟ قَالَ: وقَعْتُ علَى امْرَأَتي وأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَ: لَا، فَقَالَ: فَهلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَكَثَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَبيْنَا نَحْنُ علَى ذلكَ أُتِيَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ - والعَرَقُ المِكْتَلُ - قَالَ: أيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أنَا، قَالَ: خُذْهَا، فَتَصَدَّقْ به فَقَالَ الرَّجُلُ: أعَلَى أفْقَرَ مِنِّي يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ ما بيْنَ لَابَتَيْهَا - يُرِيدُ الحَرَّتَيْنِ - أهْلُ بَيْتٍ أفْقَرُ مِن أهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى بَدَتْ أنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أطْعِمْهُ أهْلَكَ) [صحيح البخاري|خلاصة حكم المحدث: صحيح].


توجد عدة ضوابط يجب أن يراعيها المسلم في كفارة الجماع[٨]:

  • تكون كفارة الجماع في رمضان على الترتيب، فلا يجوز أن ينتقل المسلم لصيام شهريين متتابعين إلا في حال عجز عن عتق رقبة، ولا يطعم ستين مسكينًا إلا إذا عجز عن الصيام لشهرين متتاليين، وهذا بإجماع أصحاب المذاهب؛ الشافعية، والحنابلة، والظاهرية، والحنفية، وأفتى به ابن عثيمين وابن باز.
  • يجب على من ارتكب هذا الإثم العظيم الإسراع في التوبة والمبادرة بالكفارة، ولا يجوز له تأخير ذلك إلا لعذر.
  • يجوز للمسلم الابتداء بصيام الشهرين المتتابعين من بداية الشهر أو منتصفه.
  • يجب على المسلم الذي اختار صيام شهرين متتالين للتكفير عن ذنبه التتابع في صيامهما، والتتابع هنا شرط وليس اختيار، فإذا أكل أو شرب أو جامع زوجته خلال أحد أيام قضاء الكفارة، توجبت عليه إعادة صيام شهرين متتابعين من جديد، ومن الأمور التي لا تقطع تتابع هذين الشهرين:
    • الإفطار لعذر أحله الشرع مثل السفر أو المرض.
    • قدوم الأيام التي يُحرم الصيام بها، ومنها أيام التشريق، ويوما العيدين.
    • الإغماء في أحد أيام هذين الشهرين من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس.
    • قدوم شهر رمضان المبارك، فمن بدأ بصيام الكفارة ثم دخل عليه شهر رمضان، توجب عليه صيامه والإفطار في أول يوم من عيد الفطر ثم متابعة الصيام.
    • حدوث النفاس أو الحيض للمرأة.


المراجع

  1. د. محمد ويلالي (14_8_2012)، "حرمة رمضان"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 20_6_2020. بتصرّف.
  2. "إلى الزوجين في رمضان"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 20_6_2020. بتصرّف.
  3. "لا يقترب الزوج من زوجته في نهار رمضان بقصد قضاء شهوته"، islamweb، 26_1_2004، اطّلع عليه بتاريخ 20_6_2020. بتصرّف.
  4. "ماذا يجوز للرجل من امرأته في نهار رمضان ؟ "، islamqa، 18_10_2003، اطّلع عليه بتاريخ 20_6_2020. بتصرّف.
  5. "حكم تقبيل الزوجة في نهار رمضان "، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 20_6_2020. بتصرّف.
  6. "يجوز تقبيل الزوجة في رمضان ويجب الاحتراس مما يفسد الصوم "، islamweb، 11_12_1999، اطّلع عليه بتاريخ 20_6_2020. بتصرّف.
  7. "هل تقبيل الزوجة يفطّر الصائم ويبطل الوضوء "، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 20_6_2020. بتصرّف.
  8. د.محمد رفيق مؤمن الشوبكي (3_7_2015)، "كفارة الجماع في نهار رمضان"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 20_6_2020. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :