كفارة من لم يصم رمضان

كفارة من لم يصم رمضان

صيام القضاء من رمضان

يجب القضاء على من أفطَر في شهر رمضان لعذر شرعيّ، مثل: المرضِ، أو السّفرِ، أو غيرهما، بصيام الأيام التي أفطرها، فيقول الله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، أما من أفطر الشهر كلّه فعليه قضاء جميع أيامه، ووقت القضاء يبدأ من نهاية رمضان إلى رمضان الذي يليه، فعليه أن يقضي صيامه بينهما، ولا يجوز تأخيرُ القضاء بعدَ رمضان الآخَر دون عذر، وتُستحب المبادرة والتعجيل بالقضاء لبراءة الذمة، وخوفًا من النسيان أو العوارض، وحتّى يصح له صيام سِتة أيّامٍ مِن شوال؛ فلا تُصام إلا بَعدَ القضاء، ويجوز القضاء مُتتابعًا، ومُفرَّقًا[١].


ما هي كفارة من لم يصم رمضان؟

رأيُ الإمام ابن باز -رحمه الله- بمن ترك قضاء صيامِ رمضان حتى دخَلَ رمضان الذي يليه، ولم يكن لديه عذر، عليه أولًا التوبة إلى الله عزّ وجلّ، ثم إطعام مسكينِ عن كل يوم مع القضاء، وإطعامه نصفُ صاعٍ بصاعِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوتِ بلده مثل: التمر أو البرّ أو الأرز أو غيرها، ويكونُ مقداره كيلو ونصف تقريبًا، وليس عليه كفارةٌ غيرها، كما أفتى بذلك جمعٌ من الصحابةِ عليهم رضوان الله، ومنهم ابن عباس -رضي الله عنهما-، أمّا إن كان المسلمُ معذورًا لمرضٍ أو سَفَر، أو كانت المرأة المسلمة معذورةً بحملٍ أو رضاع، ويشقُّ عليهم الصوم، فليس عليهم إلّا القضاء[٢].


كيف يُقضى الصيام في حال نسيان عدد الأيام؟

يضطر المسلم أحيانًا للإفطار في رمضان لعذر ما، وقد ينسى مع مرور الوقت عدد الأيام التي أفطرها، ويرى الإمام ابن باز أنّ عليه أولًا أن يتوب إلى الله عن هذا التأخير، وأن يظهر الندم على ما ارتكبه من تساهل، وأن يعزم على ألا يعود لمثل هذا السلوك أبدًا، ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31] لأن تأخير قضاء الصيام معصية، والتوبة إِلى الله منها واجبة، وثانيًا: أن يصوم المسلم على حسب ظنّه، فالله لا يكلّف نفسًا إلا وسعها، فالذي يظنّ أنه تركه من أيام عليه أن يقضيه، فإذا ظن أنها عشرة عليه صيام عشرة أيام، وإذا ظن أنها أكثر أو أقلّ، فعليه الصيام عَلى مقتضى ظنّه، لقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وقوله سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وثالثًا:عليه إطعامُ مسكينٍ عن كلّ يومٍ إذا كان يقدر على ذلك، ويمكن أن يصرَف كلّه لمسكين واحد، فإن كان المسلم فقيرًا، ولا يستطيع الإطعام، فلا شيء عليه في ذلك سوى الصوم والتوبة، ويكون الإطعام الواجب عن كلّ يومٍ نصف صاعِ من قوت البلد، ومقداره كيلو ونصف[٣].


مسائل متعلّقة بقضاء الصيام

إليكِ بعض المسائل المتعلقة بقضاء الصيام[٤]:

  • التتابع في قضاء رمضان ليس شرطًا: فمن أفطر أيامًا من رمضان لعذر، له أن يقضيها مفرقة باتفاق المذاهب الأربعة، لقوله سبحانه: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، ولم توجب الآية الكريمة ما يقيّد المسلم بالقضاء المتتابع، وقال ابن عباس -رضيَ الله عنه-: "لا بأس أن يفرّق"، وقال أنسُ بن مالك -رضي الله عنه-: " إن شئتَ فاقضِ رمضان متتابعًا، وإنْ شئتَ متفرقًا".
  • القضاء في أيّ وقتِ من السنة: فيجوز للمسلم قضاء أيام الصوم على التراخي بعد انقضاء رمضان، بشرط أن يكون القضاء قبل رمضان الذي يليه باتفاق المذاهب الأربعة، وعن أَبي سلمة أنّه قال: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، تَقُولُ: "كانَ يَكونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِن رَمَضَانَ، فَما أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إلَّا في شَعْبَانَ"[صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وقال الحافظ ابن حجرَ العسقلاني :"في الحديث دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان سواء كان يعني التأخير لعذر أو لغير عُذر"، لكنّ المُسارعةَ في قضاء الصيّام أولى، لقول الله سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، وقوله أيضاً: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [المؤمنون: 61].
  • القضاء بعد دخول رمضان آخر: قد اختلف فيه العلماء على قولين، القول الأول: الأول هو لزوم القضاء مع الفِديَة، وتكون بإطعام مسكينٍ عن كل يَوم، بمذهب جمهور المالكية، والحَنابِلة، والشافعية، واختاره الإمام ابن باز، لأن جماعة من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قد أفتوا به، وقولُ أبي هريرةَ في رجلٍ مرضَ في رمضانَ ثم صَحَّ ولم يصُمْ حتى أدركهُ رمضانُ آخر: "يصومُ الذي أدركهُ ويُطعمْ عن الأوّلِ لكلِّ يومٍ مدّا من حنطةٍ لكل مسكينٍ فإذا فرغَ من هذا صامَ الذي فرّطَ فيهِ" [سنن الدارقطني| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح موقوف]، ويقول الإمام ابن باز رحمه الله: " ومن أخرّت القضاء إلى ما بعد رمضان آخر لغير عُذرٍ شرعي، فعليها التوبة إلى الله من ذلك مع القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم"، ويلزم القضاء مع الفدية مراعاة لما يلي:
    • وجوب الفدية في حالة تأخير القضاء دون عذر، فإذا أخرت المرأةُ القضاءَ لِعُذرٍ كالمرض أو السفر أو الحَمل أو الإرضاع، فتقضي ولا تَجبُ عليها الفدية، و إذا أخّرَت القضاءَ لجهلٍ في حُكم التأخير أو لنسيان القضاء فتقضي ولا تَجبُ عليها الفدية.
    • جواز تقديم القضاء على الفدية، أوتقديم الفدية على القضاء، أو تأديتهما في يوم واحد، واختار بعض العلماء تقديم الفدية على القضاء لما فيها من الخير، فقد قال الإمام الدَّرْدِيرُ المالكي: " أَيْ يُنْدَبُ الْإِطْعَامُ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ يَقْضِيهِ (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ مُضِيِّ كُلِّ يَوْمٍ، أَوْ بَعْدَ فَرَاغِ أَيَّامِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ أَطْعَمَ بَعْدَ الْوُجُوبِ بِدُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْقَضَاءِ أَجْزَأَ".
    • اختلاف العلماء حول وجوب الفدية عند تأخير القضاء إذا كانَ التأخير سنينًا كثيرة، فهل يجب أن تتضاعف الفدية أم لا، فذهبَ الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنّها لا تتضاعف، وهذا يعني أنّ مَن أخّرَ القضاءَ لعدة أعوامٍ لا تلزمه الفدية عَن كلِّ عامٍ أخّرَه، بَل يلزَمُهُ فدية واحدة مهمَا تأخرّ القَضاء، ويقول ابن قدامة: " فإن أخّرَه لغيرعُذر حتى أدركه رمضان أو أكثر لم يكن عليه أكثر من فدية مع القضاء؛ لأن كثرة التأخير لا يزداد بها الواجب، كما لو أخّرَ الحج الواجب سنين لم يكن عليه أكثر من فعله"، وذهب الشافعيّةُ في الأصحِّ عندهم إلى مضاعفة الفدية، لأنها غرامة ماليّةٌ، والحقوق المَاليّة لا تتداخل، فقال الإمام النووي أنّه لا يجب إلا القضاء فقط، وهذا مذهب الحنفيّة، والظّاهريّة، واختاره الشّوكانِي، وابن عثيمين، وقد قال رحمه الله:" إذا ترك الإنسان قضاء رمضان إلى رمضان الثاني بلا عذرٍ فهو آثمٌ، وعليه أن يقضي ما فاته ولا إطعام عليه على القول الصحيح".
  • حكم عدم القضاء بعذر وإدراك الموت: ومن فعل ذلك فلا شيء عليه، ولا يجبُ الإطعام عَنه، وهذا باتفاق أصحابِ المذاهب الأربعة وأكثر أهل العلم؛ لأنَّ الله أوجب القضاء عليهِ في أيام أُخَر وقد مات قبل أن يدركها.
  • حكم عدم القضاء لغير عذر وإدراك الموت: فمن كان عليه قضاء، ومرّ عليه وقت يتمكّن فيه من القضاء ولم يفعل، فقد اختلف فيه العلماء، فالقول الأول: أنّ جمهور أهل العلم: أبو حنيفة والشافعيّ في (الجديد) ومالك وأحمد قالوا: "يُطعَم عنه عَن كل يوم أفطرَ فيه مسكيناً، فكما لا يجوز أن يُصام عن الميت في حياته لا يجوزُ بعد وفاته، مثل حُكم الصلاة"، وقال الحنفية والمالكيّة: "إن أَوصى الميت بالإطعام أطعمَ عنه وليّه لكل يوم مسكيناً، وإن لم يوصِ بذلك فلا شيء عليه"، وقال الشافعيّة في (المشهور) في مذهبهم والحنابلة: "الواجب على الوليّ أن يُطعم عنه حتى وإن لَم يوصِ بذلك، والقول الثاني: أن يصومَ عنه وليّه، فإن لَم يفعل، عليه أن يُطعم عنه لكل يوم مسكينًا، وهذا قول الشافعي في (القديم)، كما اختاره ابن باز والنووي، وابن عثيمين، وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: أنَّ امرأةً جاءت إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالت إنَّهُ كانَ على أمِّها صومُ شَهرٍ أفأقضيهِ عنْها فقالَ: (لو كانَ على أمِّكِ دينٌ أَكنتِ قاضيتَهُ قالَت نعم قالَ فدَينُ اللَّهِ أحقُّ أن يُقضى) [صحيح أبي داود| خلاصة حكم المحدث: صحيح] .
  • قضاء صيام التطوع: ويستحبُ للمسلم إكمال صومه، وإن أفطر فلا قضاء عليه سواءً كان إفطاره بعذر أو بغير عذر، ويفضّل ألّا يُفطرَ إلا لعذر أو سبب.


من حياتكِ لكِ

سيدتي يجوز لكِ الإفطار في رمضان في الحالات التالية[٥]:

  • المرض: فإذا شعرتِ بالمرض، وكان في الصوم سبب في زيادته، أو إبطاء للشفاء، ولا يجوز لكِ الإفطار لمجرّد الشعور بالتعب.
  • السفَر: على أن يكون طويلًا تُقصر فيه الصلاة، وألّا يكون لك نيّة الإقامة خلال السفر، وألّا يكون في معصية، وتنقطع الرخصة إذا عُدتِ إلى بلدك، أو إذا نويتِ الإقامة مطلقًا.
  • الحمل والرضاع: فلكِ أن تفطري إذا خفتِ على نفسكِ أو على طفلك أثناء الحمل.
  • الشيخوخة والهرم: ويجوز لكِ الإفطار إن فنيت قوّتكِ، أو كنتِ مُسنّة، أو وصلتِ لمرحلة المرض الذي لا أمل في شفائه.
  • إرهاق الجوع والعطش: فإن شعرتِ بالجوع المفرط والعطش الشديد حد الإرهاق، فلكِ أن تأكلي بقدرما تندفع به الضرورة، وتمسكي بقية اليوم، ثم تقضيه فيما بعد.
  • الخوف من الضعف عند القتال: عند تيقنكِ من مقابلة العدو، أو قبل الحرب.
  • الإكراه: فليس عليكِ حرج إن كان ذلك خوفًا من وعيد أو تهديد يشكل خطرًا حقيقيًّا عليكِ.


المراجع

  1. الشيخ عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري (10/8/2013)، "قضاء الصيام"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 15/6/2020. بتصرّف.
  2. الإمام بن باز، "حكم من ترك قضاء صيام رمضان حتى دخل رمضان الذي بعده"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 15/6/2020. بتصرّف.
  3. الإمام بن باز، "من أفطر ناسيًا أيامًا من رمضان لا يعلم عددها فماذا يفعل؟"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 15/6/2020. بتصرّف.
  4. د. محمد رفيق مؤمن الشوبكي (18/7/2015)، "مسائل متعلقة بقضاء الصيام"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 15/6/2020. بتصرّف.
  5. فريق الإسلام سؤال وجواب (21/11/2001)، "الأعذار التي تبيح الفطر في رمضان"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 12/6/2020. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :