محتويات
مدينة قونيا في تركيا
تقع مدينة قونيا التركية على هضبة الأناضول، وترتفع عن سطح البحر أكثر من ألف كيلومتر، وتشير الحفريات التاريخية إلى أن تاريخ المدينة يرجع إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد على أقل التقديرات، إذ يشاع أن مدينة قونيا كانت أول مدينة تنتشر فيها الحياة بعد الطوفان العظيم الذي دمر البشرية في زمن سيدنا نوح عليه السلام.
بعد سقوط الإمبراطورية الحيثية أسس شعب فريجيا مستوطنةً كبيرةً لهم في مقاطعة قونيا ذات الحكم الذاتي يتكلم سكانها اللغة اليونانية في التعليم والثقافة، وعلى الرغم من ذلك حافظ السكان الأصليون في المدينة على ثقافتهم الأصلية، وفي زمن انتشار الحضارة الإسلامية فتح المسلمون مدينة قونيا على يد الجيوش السلجوقية في القرن الثامن، وسرعان ما أصبحت عاصمة الدولة السلجوقية، وفى فترة الحكم السلجوقي وصلت المدينة إلى قمة ازدهارها إذ صُنّفت كواحدة من أكثر مدن العالم روعةً وجمالًا، فقد حكمها سلاطين وقادة مهتمون بفن العمارة شجعوا على الإبداع فشُيِّدت العديد من المباني الفخمة التي ما زالت قائمة إلى يومنا هذا ومنها: مدرسة إينس ميناري التي بنيت عام 1258، وهي مدرسة دينية سابقة تضم متحفًا سلجوقيًّا الآن، ومدرسة كاراتاي مدريس الغنية بالزخارف الرائعة التي بنيت عام 1251 وكانت مدرسة دينية في السابق في حين تضم الآن متحفًا للسيراميك، وقصر السلاطين الذي يحتوي الآن على متحف للآثار السلجوقية والعثمانية، ويقع على تل الأكروبوليس بالقرب من مسجد وقبر السلطان علاء الدين، وتضك تكية روميو التي تقع جنوب وسط المدينة العديد من المباني والأضرحة، وقد تحوّلت إلى متحف إسلامي في عام 1917، ثم تعرضت المدينة لحكم المغول بعد تراجع السلاجقة أمامهم، ثم أصبحت إمارة تركمانية إلى أن ضُمَّت إلى الإمبراطورية العثمانية في عام 1467 تقريبًا، وازدهرت في زمن العثمانين بعد مرور سكة الحديد التي تربط إسطنبول ببغداد.
وقد بقيت قونيا من أهم المدن في الأناضول، إذ ربطت المدينة الضواحي الغربية بسكة حديد بعد إعادة تصميم الجزء الغربي من المدينة، واستمرت الحيوية في الجزء الشرقي القديم، فقد نشطت المصانع الهامة مثل مصانع السجاد ومصانع الدقيق ومعمل بنجر السكر، إضافةً إلى معمل إعادة التدوير لتصنيع الألمينيوم الذي أنشئ بداية السبعينيات من القرن الماضي، ونشطت داخل مدينة قونيا حركة السياحة بسبب الطبيعة الخلابة وانتشار البساتين والحدائق، إضافة إلى أنها تعد مكانًا لحج المسلمين بسبب ارتباطها بالدراويش، كما أنها تضم بعض الآثار المسيحية.
تعد المدينة مكانًا مناسبًا للتعليم ففيها مدرسة تدريب المعلمين، ومعهد يوكسيك الإسلامي، وفي عام 1962 تأسس معهد للتعليم الإسلام، وفيها جامعة سلجوق التي بنيت منذ عام 1975 للميلاد، وتحتوي مدينة قونيا والمناطق المحيطة بها على مساحات شاسعة من السهول في المناطق الواقعة أسفل جبال طوروس، وقد عملت الحكومة الإدارية على توسيع مخططات الري لزيادة مساحة الأراضي المزروعة، أما أهم المحاصيل التي تزرع في هذه السهول فهي القمح، والقطن، وتوفر سهول الأناضول مراعيَ لتربية المواشي، ومن المنتجات في هذه المنطقة الصوف، كما يستخرج الرصاص من المناطق المجاورة للمدينة، وترتبط قونيا بمدينة أنقرة عن طريق الجو بينما ترتبط بباقي المدن الرئيسية عن طريق البر[١].
كيف تطوّرت مدينة قونيا عبر التاريخ؟
تعد مدينة قونيا من أقدم المدن في العالم على الإطلاق، ويقال إن اسم قونيا مرتبط بكلمة "إيكون" التي تعني "الوصف المقدس" وتوجد الكثير من الخرافات بشأن هذا الموضوع؛ منها بناء نصب تذكاري بهدف التعبير عن الشكر والامتنان للشخص الذي قتل التنين الذي هاجم المدينة ويحمل النصب تصويرًا للحدث بين التنين والبطل الذي أنقذ المدينة، وأطلق على النصب التذكاري اسم "Ikonion"، وتغير اسم النصب التذكاري مع تغير أسماء الأباطرة خلال فترة الحكم الروماني.
وتعد مدينة قونيا من أقدم المدن التي سكنها الإنسان منذ فجر التاريخ، إذ سُكنت منذ العام 7000 قبل الميلاد، وقامت فوقها الكثير من الحضارات، واستخدم سكانها الكتابة منذ عام 3500 قبل الميلاد، وهذا يدل على قدم وعراقة وتميز الحضارة في هذه المدينة، فهي من أقدم المدن التي استخدمت النار وصنع أهلها الطعام، ومن أقدم الحضارات التي عملت في الزراعة، وبنت حياة مستقرة لا تعتمد على الصيد فقط، كما تعاون السكان لتأسيس نظام للدفاع عن أنفسهم ضد هجمات الحيوانات البرية والمفترسة، وقد دلت الحفريات التاريخية على وجود آثار تعود إلى العصر الحجري الحديث، كما عثر على آثار تعود للعصر البرونزي القديم، ووقعت المدينة في القرن الرابع الميلادي تحت سيطرة الفرس، كما خضعت لحكم الإسكندر الأكبر، وفي عام 395 سيطرت روما على مدينة قونيا والمناطق المجاورة لها.
عاشت المدينة أفضل أوقاتها، وأكثر عصورها ازدهارًا أثناء الفترة السلجوقية والفترة العثمانية، إذ حاول المسلمون فتح المدينة والمناطق المحيطة حولها منذ القرن السابع الميلادي، وكان أكبر فتح للمسلمين على يد القائد المظفر ألب أرسلان الذي استطاع هزيمة البيزنطيين في عام 1071 في منطقة ملازغرد، فقد هزم القائد السلجوقي الجيش البيزنطي في معركة حاسمة بقيادة الإمبراطور رومانوس ديوجين، وبعد هذه المعركة أمر القائد ألب أرسلان قادة جيشه بفتح الأناضول، واستقر الحكم السلجوقي في منطقة الأناضول عام 1074 للميلاد[٢].
ما هي طبيعة الطقس في مدينة قونيا؟
مدينة قونيا جزء من منطقة الأناضول، لذا ينطبق عليها مناخها، فطبيعة الطقس في قونيا في الصيف حارّ عمومًا فتتراوح درجات الحرارة في شهر أغسطس بين 17 درجة إلى 30 درجة مئوية، وتنخفض في شهر نوفمبر لتصل إلى 9 درجات مئوية، أما في الشتاء فتنخفض درجات الحرارة لتصل في شهر يناير إلى -4 درجة مئوية، وتنتشر الغيوم في معظم أوقات فصل الشتاء خاصة في شهر ديسمبر، بينما تتناقص في الصيف فتبدو السماء صافيةً من الغيوم تمامًا خلال شهر أغسطس، وترتفع نسبة الرطوبة وفرصة تساقط الثلوج في فصل الشتاء فلا يمضي هذا الفصل دون تساقط الثلج في شهري نوفمبر وديسمبر من كل عام، أما سطوع الشمس فيقل في الشتاء بسبب قصر النهار حيث يصل طول النهار في شهر نوفمبر إلى أقل من عشر ساعات، وتزداد نسبة سطوع الشمس مع زيادة طول النهار خلال فترة الصيف[٣].
من حياتكِ لكِ
تمتاز مدينة قونيا المركزية بوجود الكثير من الأماكن التي تستحق الزيارة، فهي مليئة بالمعالم المعمارية والمدارس الدينية القديمة والتكايا المميزة التي تعرض فن الحضارة السلجوقية، فالزوار يستمتعون جدًّا عند زيارة هذه المعالم والمتاحف، إذ تستقطب الأماكن التي تعرض الحضارة الإسلامية أعدادًا كبيرة على مدار العام، فمركز المدينة مكتظ بعدد كبير من المتاحف والآثار التي تتحدث عن روعة الحضارة السلجوقية، فيمر السواح على هذه الأماكن لرؤية متحف مولانا، ومن أهم الأماكن التي ننصحكِ بزيارتها وأنت تتجولين في هذه المدينة العريقة[٤]:
- متحف مولانا: المتحف رمز قونيا، وهو مجمع يتكون من عدة أركان، تمشين خلاله حتى تصلي إلى بوابة الدرويش المزخرفة، وبمجرد دخولكِ المجمع ستجدين ضريح الشاعر العظيم مولانا جلال الدين الرومي الذي عاش في القرن الثالث عشر وأسس الطائفة الصوفية، إذ يوجد قبره في نهاية الضريح، وتوجد بالقرب منه قبور عديدة لعائلته وعدد من أتباعه، وتوجد قاعة تقام فيها مراسم الدراويش إلى اليسار تحتوي على متحف ومعرض ديني، وهناك في فناء الضريح يقع مطبخ المتحف، ويحتوي على أدوات ومتعلقات خاصة بحياة الدروايش وتحولت الآن إلى معرض عن حياة الدروايش.
- متحف البلاط: تأسست هذه المدرسة أو التكية الدينية في عام 1251 للميلاد على يد الأمير السلجوقي جلال الدين كاراتاي، وفي الفترة الماضية رُمِّم هذا المبنى وتحول إلى متحف رائع يعرض أعمال بلاط المينا السلجوقي، وعلى الرغم من أنكِ تتجولين في مكان هو متحف للبلاط، إلا أن المكان قد يبدو وكأنه معلم سياحي وليس دينيًّا ألا أن جمال البناء وروعته ستجعل زيارتكِ له من أفضل الأعمال التي يمكن أن تفعليها في رحلة سياحية لمشاهدة معالم المدينة، فستشاهدين جدرانه المغطاة بنماذج رائعة الجمال من البلاط السلجوقي الفخم، وستستمتعين بمشاهدة معارض خزفية محفورة جاءت من المواقع الأثرية القريبة، ولا تنسي زيارة الغرفة اليسرى من المبنى حيث يوجد قبر جلال الدين كاراتاي.
- متحف النحت الخشبي والحجري: بنيت هذه التكية في عام 1260 للميلاد وقد أمر ببنائها الوزير السلجوقي ساهيب آتا، وستستمتعين عند دخولكِ إلى المكان بمشاهدة بوابة رائعة الجمال صممت بزخارف منحوتة غنية بزخرفتها مبدعة بمنظرها، وتحولت هذه التكية الآن إلى متحف يضم مجموعة كبيرة من المنحوتات الخشبية والحجرية المصنوعة في العصر السلجوقي، ومن بينها تحف تحمل نقوشًا حيوانية على الرغم من تحريم الشريعة الإسلامية لهذا النوع من المنحوتات، وفي عام 1905 ضربت صاعقةٌ المبني، وتهدم جزء من المئذنة.
- علاء الدين تيبي: أثناء زيارتكِ لقونيا لا تنسَيْ زيارة الحديقة الموجودة وسط المدينة مباشرةً، واحتسي الشاي مع السكان المحليين الذين ينتشرون في أرجاء المكان، ثم توجهي إلى موقع قلعة قونيا، عند سفح المنحدر إلى أعلى تلة علاء الدين كامي فهناك موقع قصر علاء الدين كيكوباد الذي بني في القرن الثالث عشر، وقد بني أيضًا مسجد صمم على الطراز العربي بسقفٍ خشبي مدعمٍ باثنين وأربعين عمودًا عتيقًا.
- المتحف الأثري: لم يُحدّث متحف قونيا، بينما حدّثت الجهات المسؤولة في تركيا معظم المتاحف الأثرية المنتشرة في تركيا خلال العشر سنوات الماضية، أما متحف مدينة قونيا فما زال كما كان، وستشتمّين في أروقته عبق الماضي، فهو مكان قديم وإضاءته خافتة، واللوحات فيه قديمة باهتة الألوان، ولكن لا تجعلي ذلك يؤذيك ويسبب لكِ الإزعاج لأنكِ ستستمتعين بمشاهدة مجموعة كبيرة من الآثار المميزة بأجواء تاريخية، فإن كنت ممن يعشق المتاحف الأثرية بجوها المليء بالغموض فسارعي إلى زيارة المتحف الأثري، قبل أن تصله أيادي التجديد والتحديث، وشاهدي هناك متحفًا يتحدث عن حضارة من أقدم الحضارات في العالم، فقد نُظم المتحف ليقدم عرضًا شاملًا لها، فقد جمعت التحف الموجودة داخله من الموقع الأثري القريب، ومنها مجموعة رائعة من التوابيت الرومانية المنحوتة والمزخرفة بشكل مدهش ومعقد جدًّا، ومجموعة من التحف الدالة على الحرف اليدوية والأزياء والمجوهرات وكذلك على السجاد والأدوات المنزلية.
- مسجد السليمية: بني المسجد في الفترة ما بين 1566-1574 ميلاديًّا بأمر من السلطان سليم الثاني، ويمثل تحفةً معماريةً رائعة الجمال تتحدث عن فن العثمانيين في هذا المجال، أما مكانه فيقف المسجد بقبته الضخمة الشاخمة أمام متحف مولانا، ولكي تحصلي على أجمل صورة تذكارية اجتهدي في الوصول إلى الموقع باكرًا في ساعات المساء وقفي في الساحة ومن خلفكِ المسجد الشامخ والمتحف الرائع، والتقطي صورةً لكِ في ساعات الغروب الساحرة، ثم اجلسي في أحد المطاعم أو المقاهي المنتشرة على طول الشارع الرئيسي، واحتسي فنجانكِ المفضل من القهوة أو الشاي، وحينها ستشعرين بالاسترخاء وأنت تراقبين المآذن والقباب المنتشرة في الأفق.
- مسجد العزيزية: وأنت تتجولين في بازار قونيا الصاخب زوري مسجد العزيزية الذي يعد تحفةً فنيةً في الهندسة المعمارية، فقد بُنِي المسجد في المرة الأولى في عام 1676 للميلاد بأمر من مستشار المحكمة العثمانية مصطفى باشا، وبسبب نشوب حريق في المسجد أعيد بناؤه وترميمه مرةً أخرى في عام 1867 للميلاد، ويكمن جمال المسجد في مزج تصميمه، فعمارة المسجد مستوحاة من فن الباروك المتميز بالأناقة والرقيّ مع وجود مآذن مزدوجة، وأما تصميمه الداخلي فهو متأثر بالزخرفة الأوروبية بألوان زاهية متباينة مثيرة للدهشة والاهتمام مع التصميم التقليدي للمسجد.
- جاتال هويوك: هو أحد أهم مواقع التنقيب الأثرية في العالم، فقد عثر فيه على آثار تعود للعصر الحجري الحديث، ويعود عمر الآثار في هذا الموقع إلى الفترة 9000 قبل الميلاد، وإذا كنتِ تخططين لزيارة قونيا في فصل الصيف فستشاهدين في هذا الموقع علماء الآثار يعملون بجد، وهناك متحف صغير مميز جدًّا، يوضح تاريخ التنقيب وأهمية الموقع العالمية، وتستطعين الوصول إلى "محمية تحت القبة" حيث الحفريات العميقة ومخططات البناء التي لا تزال تكتشف حتى هذا اليوم.
- سيلا : هي قرية صغيرة تقع في طرف مدينة قونيا، يقصدها الأهالي المحليين للمدينة للاستماع بجمال هذه القرية اليونانية الرائعة، أما أهم الآثار الموجودة فيها فهي كنيسة البيزنطينية هيلانة وتتميز بتصميم داخلي مثير، وغُطّيَ الجدار بلوحات ملونة فخمة، وتوجد كنيسة بيزنطية أخرى صغيرة، وحولت الآن إلى متحف مخصص للساعات، وعلى جوانب الشوارع تصطف منازل قروية ذات عوارض خشبية شديدة الجمال، أما وادي القرية ففيه مجموعة من المساكن والكهوف القديمة المميزة.
المراجع
- ↑ "Konya", britannica, Retrieved 28-6-2020. Edited.
- ↑ "A BRIEF HISTORY OF KONYA", en.kto, Retrieved 28-6-2020. Edited.
- ↑ " Average Weather in Konya ", weatherspark, Retrieved 28-6-2020. Edited.
- ↑ "12 Top-Rated Tourist Attractions in Konya", planetware, Retrieved 28-6-2020. Edited.