محتويات
التوازن النفسي في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم
يُلاحظ عند دراسة شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتحديدًا في صفاته؛ التكافؤ العظيم الظاهر بها، والتي تُفرّد شخصيته عن باقي البشر، وهذه هي أحد أهم البراهين والعلامات التي تؤكّد نبوّته، فصفاته شاملة لكل الأخلاق الحسنة دون إفراط في صفةٍ على أخرى، إذ تجده يستخدم الصفة فيما تلبيه من مواقف تحتاجها، وبذلك يكون كل ما نهى عنه أو أمر به هو الخيار الأمثل والأنسب، ومن أهم جوانب التوازن في شخصيته -صلى الله عليه وسلم- هو التوازن النفسي، ويُلاحَظ هذا التوازن بسهولة من دون الحاجة إلى دراية كبيرة في علم النفس، وهذا التناسق أوجد شخصية مثاليّة بشرية تعطي كل موقف حقه؛ فالرسول -عليه الصلاة والسلام- يفرح ويحزن دون مبالغة أو مغالاة، ويُعدّ هذا التوازن أحد أهم الدلائل التي تجعله المثل الأعلى والقدوة الحسنة لكل مسلم في شتى مجالات الحياة، وقد جعل منه مصدر فخر للمسلمين بين الأمم، فهم فخورون بالانتماء لهذه الشخصية العظيمة، ويُذكر عن سلوكه النفسي أنّه كان في بكائه -صلى الله عليه وسلم- لا يُصدر صوتًا أو شهيقًا، كما أنّه كان يمزح مع أصحابه ويضحك معهم، وذلك في الأمور التي تستوجب الضحك، ويظهر فيها الغرابة والندرة[١].
التوازن السلوكي في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم
يُعدّ التوازن في سلوكه -صلى الله عليه وسلم- من أبرز صفات نبوّته، فهو خير قدوة للناس كافةً، وقد شملت صفاته المثاليّة كل جوانب الحياة، فهو القدوة الحسنة للآباء والأزواج، والمعلمين والقضاة، وهو المثل الذي يقتدي به كل قائد أو رئيس أو محارب، وفي مجال العبادة تجده أكثر الناس عبادةً وزهدًا، وغير ذلك الكثير من الصفات الحسنة في سلوكه صلى الله عليه وسلم بحيث لا يغفل عن جانب من جوانب الحياة، وبذلك تثبت الحجة على الناس في الجانبين النظري والعملي، ومن أهم مجالات التوازن السلوكي في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي[٢]:
- التوازن بين الأقوال والأفعال، فتجد أقواله صلى الله عليه وسلم متناسقة مع أفعاله؛ فعندما ينهى عن شيء يكون أبعد الناس عنه، وعندما يأمر في شيء يكون أقرب الناس لفعله، فقد ورد عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنّها قالت: (أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هذا يا رَسولَ اللَّهِ، وقدْ غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ؟ قالَ: أفلا أُحِبُّ أنْ أكُونَ عَبْدًا شَكُورًا فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أرَادَ أنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ)[٣].
- التوازن والصدق بين الجدّ والدعابة، إذ من مظاهر التوازن أيضًا صدقه في كلّ الأمور سواء كانت جديّة أو دعابة، فقد لُقّب بالصادق الأمين، ونُلاحظ التوازن في أخلاقه التي كان يستنبطها من القرآن الكريم؛ فبعض الأشخاص قد يهملون العديد من قواعد الإنضباط في أوقات المرح والدعابة، لكنّ الرسول عليه الصلاة والسلام كان صادقًا دائمًا، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: (قالوا: يا رسولَ اللَّهِ ! إنَّكَ تداعِبُنا؟! قالَ: إنِّي لا أقولُ إلَّا حقًّا)[٤].
- التوازن الأخلاقي في شخصيته عليه الصلاة والسلام، عُرف عن النبي عليه الصلاة والسلام بأنّ أخلاقه كانت ساميةً وحسنةً دائمًا، وقد وصفته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بأنّ خلقه كان من القرآن الكريم؛ فسمو وتوازن أخلاقه جعلته رسولًا متواضعًا كريمًا حليمًا بارًّا، والتي ظهرت أثناء تعامله مع الآخرين؛ فكان يُكرم الجميع، ولا يردّ سائلًا أبدًا ويُصغي إليه ولا ينصرف عنه حتى ينصرف السائل عنه بدايةً، وغيرها العديد من الأفعال التي وردت عنه عليه الصلاة والسلام.
- التوازن النبوي بين الحزم واللين، من أهم مجالات التوازن في أخلاقة صلى الله عليه وسلم التوازن في الحزم واللين؛ فهو حليم رؤوف ولكن دون أن يؤثر ذلك في الحق، فتجده يقوم غاضبًا في وجه الباطل إذا ما اعتدى أحد على حرمات الله ولا يقعده عن ذلك إلّا هدم الباطل واحقاق الحق.
التوازن في شخصية الرسول بالتعامل مع المرأة
حَثَّ -صلى الله عليه وسلم- على معاشرة الأهل بالمعروف، وكان في هذا الجانب خير قدوة للمسلمين فكان يُمازح أهله ويُحسن معاملتهم ويتلطّف بهم، ويُذكر أنّه كان يجمع زوجاته في بيت الزوجة التي يبيت عندها كل ليلة فيأكلون سويًا، ثم ترجع كل زوجه إلى حجرتها، وجعل الإحسان للأهل من أهم المعايير المُعتبرة في بيان خيرية المرء، قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)[٥]، وحياته صلى الله عليه وسلم مليئة بالأمثلة التي دلّت على حسن عشرته مع أهله نذكر بعضًا من الجوانب التي اهتَّمَ بها في تعامله مع المرأة[٦]:
- الحُب: فقد وردت عدة أمثلة عن محبته لزوجاته، منها ما ذكره عمرو بن العاص حين سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن أحب الناس إليه فقال: (عائشة)[٧].
- حِس الفكاهة والدعابة: وهنالك ما ورد عنه من مواقف دلّت على ممازحته لأهله، ومنه ما ذكر عند مسابقته للسيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- وذكر أنّه سبقها مرة وسبقته هي مرة أخرى، وكان قصده من ذلك التودّد لها.
- الحُلم: فقد كان حليمًا -عليه الصلاة والسلام- في تعامله مع أخطاء زوجاته فهو خير قدوةٍ في هذ الأمر، ومثال ذلك ما رويَ عن أنس ابن مالك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (كان عِندَ بعضِ نِسائِه، فأرسَلَتْ إحدى أمَّهاتِ المؤْمِنينَ بصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمع النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الذي كانَ في الصَّحْفَةِ، ويقولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حتَّى أُتِيَ بصَحْفَةٍ مِن عِندِ الَّتي هو في بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إلى الَّتي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ في بَيْتِ الَّتي كَسَرَتْ)[٨].
- الوفاء: أمَّا فيما ورد عن وفائه للمرأة، فنقفُ عند وفائه لزوجته خديجه -رضي الله عنها- بعد موتها، فكان يذكرها دائمًا بالخير لدرجة أنّ الغيرة دخلت في قلب السيدة عائشة من دون أن تُدرك السيدة خديجة.
- العدل: وقد ورد الكثير من مواقفه العادلة بين زوجاته، وأعظم مثال على ذلك ما فعلة وهو مريض على فراش الموت؛ إذ كان ينقل في كل يوم إلى بيت واحدة من زوجاته، وهذا يدل على أنّ عدله -صلى الله عليه وسلم- غير مرتبط بحالة نفسيّة معينّة، فهو عادل مع زوجاته في كل الأوقات ولا يُلهيه عن ذلك شِدةٌ أو سفر أو غير ذلك.
أهمية الاقتداء بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم
جعل الله تعالى سيدنا محمد أفضل قدوة للأمم واتّباع هذه القدوة فيه الفلاح في الدنيا والآخرة، ومن أهم الفوائد التي يُجنيها المقتدي به ما يلي[٩]:
- الفوز بمحبة الله تعالى؛ قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[١٠].
- الوصول لطريق الهداية والفلاح؛ قال تعالى: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}[١١].
- الوصول إلى الجنة من خلال طاعته صلى الله عليه وسلم في اتّباع أوامره واجتناب نواهيه.
- الحماية من الوقوع في الزيغ والضلال؛ فالاقتداء بالرسول الكريم أفضل طريق للوقاية والتجنب من الوقوع في الضلالات التي تؤدي بالمرء إلى الهلاك.
- اكتساب الأخلاق الكريمة، إذ أنّ من أهداف بعثته -صلى الله عليه وسلم- الدعوة لمكارم الأخلاق واتمامها.
المراجع
- ↑ د.خالد سعد النجار (2011-09-21)، "التوازن النفسي والسلوكي في شخصية الرسول"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-24. بتصرّف.
- ↑ الدكتور خالد سعد النجار، "التوازن النفسي والسلوكي في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-24. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم:4837، خلاصة حكم المحدث صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1990 ، خلاصة حكم المحدث صحيح .
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3895 ، خلاصة حكم المحدث صحيح .
- ↑ د. أحمد قاسم الحداد (2008-04-10)، "علاقات الرسول صلى الله عليه وسلم الأسرية"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-24. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم:6885 ، أخرجه في صحيحه.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:5225، خلاصة حكم المحدث صحيح.
- ↑ عبدالواحد المسقاد (2017-11-29)، "مظاهر الكمال البشري في شخصية النبي الكريم"، الألوكة الشرعيّة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-24. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية:31
- ↑ سورة النور، آية:54