محتويات
المشاكل الأسرية
الأسرة هي نواة المجتمع الأولى، وهي مصدر أفراده والحاضنة لهم، كما أنها المصدر الأول للشعور بالأمان والراحة والحب، وهي المكان الذي يتكفل بمنحه الحب والسعادة منذ نعومة أظفاره، ومع العلم أنه لا توجد أي عائلة أو أسرة تعيش في هدوء واستقرار تامين من دون أي مشاكل أو مشاحنات ولو كانت بسيطةً، إلا أنه أمر طبيعي في حال بقي في حدود المعقول، فهذا ينتج بسبب الاختلاف في الرأي بين الأفراد في بعض الأحيان، وعدم الإجماع على كل الأمور والقضايا التي تمر بالأسرة، فقد خلق الله الإنسان بطبيعته مختلفًا عن أخيه الإنسان، له سماته الشخصية والسلوكية التي تميزه، فنرى الأولاد يحبون أمورًا لا يحبها الأهل، ونرى الزوج يحب أشياء لا تفضلها الزوجة وهكذا.
المشاكل الأسرية نوع من الاضطراب بين أفراد الأسرة الواحدة، التي تؤدي بدورها إلى نشوب توتر في العلاقة بينهم، وقد يكون سبب هذه المشكلات عائدًا إلى سلوك أحد افراد العائلة، أو بسبب المشاجرات والخلافات المتكررة بين الزوجين، أو بين الأطفال أنفسهم، او بين الوالدين والأطفال، وكلها قد تتطور لتصبح مشاكلَ تؤدي إلى اضطراب العلاقة، وربما في حال تفاقمها أدت إلى فقدان الأهل هيبتهم، وافتقار الأطفال للانتماء والأمان داخل الأسرة، ويمكننا تعريف المشاكل الأسرية باختصار على أنها المواقف والقضايا الحرجة والمحيرة التي تواجه الفرد داخل أسرته، والتي تتطلب حلًا، لأنها تقلل الحيوية والفعالية والإنتاج ودرجة تكيف الإنسان مع نفسه وأسرته، ومع المجتمع الذي يعيش فيه[١].
يمكن تصنيف المشاكل الأسرية على النحو التالي[١]:
- مشاكل عاطفية ونفسية، والسبب الأساسي وراء هذا النوع من المشاكل هو الحالات النفسية المختلفة لأفراد الأسرة الواحدة، والمزاجية التي يمر بها الجميع ما بين عصبية وهدوء، بالإضافة إلى طرق تفاعلهم مع الظروف المحيطة، وتفاعلهم مع الأوضاع النفسية لبعضهم البعض.
- مشاكل ثقافية، وهذا الأمر يظهر في الاختلاف بين الزوجين بسبب اختلاف النشأة الثقافية لكل منهما، والجهة الأخرى تتمثل في الفروق الثقافية بين الآباء والأبناء، بالإضافة إلى الفروق الثقافية والتوجهات بين الأبناء أنفسهم، فعلى الرغم من أنهم نشؤوا في بيت واحد، إلا أن التوجهات قد تختلف تأثرًا بكثير من العوامل، مثل وسائل الإعلام أو الأصدقاء أو المجتمع.
- مشاكل اقتصادية، والتي تتمثل في تردي الوضع المالي للأسرة، سواء أكان هذا بسبب عوامل داخلية أو عوامل خارجية، مما ينعكس سلبًا على الجميع.
- المشاكل الصحية؛ ففي حال كانت توجد أمراض وراثية في العائلة، أو أصيب أحد أفرادها بمرض مزمن ، أو حتى الأمراض العرضية التي قد تصيب الإنسان، فهي كلها قد تخلق أجواءً مشحونةً في المنزل.
- المشاكل الاجتماعية، وهي مرتبطة كثيرًا بعلاقة أفراد الأسرة مع من حولهم، سواء من أهل الزوجة أو الزوج، والخلافات المعتادة التي تحصل، والتي ينعكس تأثيرها على الأسرة نفسها.
- مشاكل الأدوار الاجتماعية، إذ يتمثل هذا النوع من المشاكل في عدم معرفة كل فرد من أفراد الأسرة بدوره الواجب تأديته في الأسرة، فيتعدى على أدوار الآخرين، أو يقصر في دوره هو.
هكذا تؤثر المشاكل الأسرية على أطفالكِ
ما لا يمكن إنكاره ان للخلافات والنزاعات الأسرية تأثيرًا كبيرًا على الأطفال، سواء بقيت هذه المشاكل في إطار الأسرة، أم أنها أدت إلى انفصال الوالدين، والملاحظ أنَّ في الأسر التي يبدو فيها الصراع والعداء بين الوالدين واضحًا ومستمرًا طوال الوقت، يتأثر فيها الأطفال كثيرًا، إذ تتسبب لهم هذه النزاعات بمشاكل اجتماعية وعاطفية وسلوكية لا يمكن التغاضي عنها، حتى أنها تؤثر تأثيرًا مباشرًا على تركيز الأطفال وتحصيلهم العلمي، علاوةً على ذلك فإن الشجار المستمر في الأسرة يؤدي إلى فقدان الأطفال للإحساس بالأمان والأمن داخل البيت، ويؤثر أيضًا على علاقتهم مع والديهم بالدرجة الأولى، ومع أخوتهم، ومع الآخرين في الخارج من أقارب وأصدقاء أيضًا، والمشكلة الأكبر تحدث لدى الاطفال في حال كانوا هم سبب النزاع والشقاق الأسري، أو تسلل لهم هذا الإحساس بشكل أو بآخر، إذ يشعرون باللَّوم وتأنيب الضمير لما يحصل بسببهم، ولكن على الأهل أن يعوا تمامًا بأن الأبوة والأمومة الجيدة تتمثل أولًا وأخيرًا في توفير الدفء والدعم العاطفي للأطفال، وتقديم التعزيز الإيجابي لهم بطريقة تحد من تأثيرات هذه النزاعات عليهم، حتى لو كان الأطفال فعلًا هم سبب النزاع.
الكثير من الآباء يُنهون النزاعات والمشاكل في الأسرة بالطلاق، بعد أن تنفد حلول الإصلاح، وغالبًا ما تقل النزاعات بين الزوجين بعد الانفصال، وربما قد تنتهي، ولكن وجدت الدراسات والأبحاث أن الأطفال بعد الطلاق وعلى الرغم من أن المشاكل بين الزوجين قد تضاءلت، لكنهم أصبحوا يعانون من مشاكل عاطفية واجتماعية وسلوكية وأكاديمية ضِعف ما يعاني الأطفال من العائلات التي لم ينفصل بها الزوجان حتى لو كانت المشاكل موجودةً، وربما يعود السبب في هذا إلى أن الأطفال قبل الانفصال عانوا من مشاكل الأهل، وفقدوا قدرتهم على التكيُّف مع النزاع، الأمر الذي خلق منهم أشخاصًا أضعف وغير قادرين على التكيف مع الطلاق.
لعل أسوأ أنواع الصراع والنزاع هو ذلك الذي يأتي بعد الطلاق، إذ يجعل أحد الزوجين أو كلاهما الأطفال طرفًا فيه، وهذا الأمر من شأنه أن يجعل الأطفال عرضةً للغضب والقلق والتوتر والاكتئاب، كما سيؤثر سلبًا على علاقة الأطفال بوالديهم، خاصةً في حال قام صاحب النزاع ببعض التصرفات السيئة جدًا من الوالدين مثل مطالبة الأطفال بحمل رسائل معادية للآخر، أو الإكثار من طرح الأسئلة على الأطفال والمرتبطة بالوالد الآخر، الأمر الذي يؤدي إلى خلق حاجة لدى الطفل إلى إخفاء الكثير من الأمور والحقائق، وإجباره أيضًا على إخفاء مشاعره الإيجابية تجاه الوالد الآخر، ومحاولة أحد الوالدين التقليل من شأن الآخر والتحقير منه أمام الطفل، لكن على الوالدين ألا يغفلوا عن أمر غاية في الأهمية، وهو أنه على الأطفال بعد الانفصال أن يشعروا بالأمان في كلا المنزلين، وأنهم أحرار بالتعبير عن مشاعرهم أمام كلا الوالدين من دون أي ضغوط، وإلا ستحدث للأطفال مشاكل نفسية واجتماعية لا تُحمد عقباها[٢].
كيف تحمين أطفالكِ من تأثير المشاكل الأسرية عليهم؟
أيًا كان الحد الذي وصلت إليه الخلافات والنزاعات بينك وبين زوجك، عليك أن تعي تمامًا أن الأطفال هم الحلقة الأضعف في هذه النزاعات، وأن المسؤولية تقع على عاتقك لتجعلي حياتهم تسير في الطريق الصحيح خلال الخلاف الدائر، أو حتى الطلاق، فلا ذنب للصغار بخلافات ونزاعات الكبار، ومن الأمور والنصائح التي يمكن أن نقدمها لكِ لتساعدك في حماية أطفالك من خطر هذه المشاكل ما يأتي[٣]:
- افعلي ما بوسعك لحماية أطفالك من السلوك المعادي سواء منكِ أو من والدهم، وحاولي أن تجعليهم قدر الإمكان بعيدين عن أجواء الصراخ والتهكم والتهديدات والكلام الجارح والانتقادات القاسية التي توجِّهانها لبعضكما البعض.
- لا تلجئي أبدًا إلى أطفالك لتحصلي على الدعم، سواء باستجلاب عطفهم عليك، أو بإقحامهم للضغط على الطرف الآخر، حتى لو بدا لك الأمر مؤثرًا وفعالًا، الجئي لأي شخص كبير وبالغ من خارج الأسرة، وابتعدي عن الأطفال نهائيًا.
- لا تضعي طفلك في موضع الحكم ولا تجبريه على الانحياز لكِ أو حتى لوالده أو التوافق مع أيٍّ منكما، ولا تشعريه أبدًا أن رضاكِ عنه وقبولك له مرتبط بوقوفه إلى جانبك في المشاحنات.
- تعلمي الطريقة المنهجية الصحيحة في التواصل الصحي والبنّاء مع والد أطفالك بعد الانفصال، لحماية الأطفال من أي أذًى نفسي أو صدمة عاطفية بسبب الانفصال.
- لا تسترسلي في شرح المشاكل للأطفال، ولا تحاولي شرح التفاصيل والأحداث التي تدور، يكفي أن تخبريهم بالخطوط العريضة للمشكلة من دون الحاجة للخوض في أي أمور قد تسبب الضيق والحزن لهم.
- دعي الأطفال يعرفون أنهم غير مسؤولين أبدًا عن النزاع والشقاق الحاصل بينكِ وبين والدهم، وأنهم ليسوا مذنبين، وبعيدون كل البعد عن هذا، وحاولي إدخال الطمأنينة إلى قلوبهم قدر المستطاع.
- حاولي دائمًا أن توصلي لهم رسائل الحب، ولا تحرميهم من هذا بالقول أو الفعل، فهم بحاجة لحبك أكثر من أي وقت آخر.
حل المشاكل الأسرية
ربما يجدر بنا دائمًا البحث عن الحلول الجذرية للمشاكل، قبل أن تتفاقم ونصبح مضطرين لحل تبعاتها، فربما السعي لحل المشكلة قبل أن تتفاقم سيعود عليكِ وعلى أطفالكِ بالخير الكثير، وستكون النتائج أفضل بكثير مما لو احتجت لحل تبعاتها على أطفالك، ومن النصائح التي يمكن أن نقدمها لكِ في هذا الصدد ما يأتي[٤]:
- تحديد موعد للجلوس والتحدث الجماعي، سواء بينك وبين زوجكِ، أو كل أفراد الأسرة في حال كانت المشكلة جماعيةً، فعندما يتم العمل الجماعي على حل المشكلات العائلية تكون النتائج أفضل، ولعل الخطوة لحل أي مشكلة هي الاعتراف بوجودها، بعد ذلك البدء قدر الإمكان بتبريد المشكلة وتهدئتها، ولذلك من الأفضل على المعنيين بالمشكلة معرفة الهدف من الاجتماع، وهو الوصول لحل يرضي كل الأطراف، وحاولي قدر الإمكان إبعاد الأطفال الصغار عن الاجتماع، غالبًا ما ستكون هذه الخطوة مجديةً، خاصةً أن المختصين يرون أن مثل هذه الاجتماعات يجب عقدها دوريًا لتجنب حدوث تراكمات في الأسرة.
- التركيز على القضية المطروحة، ففي كثير من الأحيان عندما يبدأ الناس بطرح المشكلة للنقاش، تبدأ الأطراف بطرح مشاكل أخرى خلال النقاش، الأمر الذي يشتت الحوار، لذلك اجعلي التركيز فقط على المشكلة نفسها ولا تسمحي بإثارة مشاكل أخرى حتى تُحل المشكلة المستهدفة من عقد الاجتماع.
- الطلب من جميع الأطراف في النزاع ذِكر ما يقصدونه بوضوح، والابتعاد عن التلميحات، فالحديث المباشر ضروري جدًا لحل النزاعات، وحاولي دفعهم إلى استخدام كلمة "أنا" ليبيِّن كل أطراف النزاع أهدافهم ومشاعرهم ومخاوفهم ورغباتهم بكل وضوح، بالإضافة إلى التعبير أيضًا عن الحب والرغبة في الإصلاح، مثل قول "أنا قلق من أن عائلتنا ستنهار، يجب أن نجد حلًا سريعًا" أو "أنا أشعر بالخوف عندما يدخن زوجي لأنه يضر بصحة الجميع، و يستنزف أموال الأسرة كاملةً".
- الحرص على الاستماع دون مقاطعة، فلا بد من الاستماع للآخر ومراقبة لغة جسده أيضًا، من أجل فهم كل ما يشعر به بالشكل الصحيح، فهذا يسمح لك ولكل الأطراف بالتحدث دون انقطاع وبأريحية كاملة.
- إظهار الاحترام لوجهة نظر الآخر، وإبداء التقبل والفهم لكل آرائه ووجهات نظره، مهما كانت مختلفةً عن آرائك ومعتقداتك، وهو مطالب بذلك أيضًا، وأكثري من العبارات التي تدل على ذلك، ودائمًا يجب استخدام عبارات الاحترام والتودد عند حل الخلافات لتكون بمثابة معين على حلها، لتفتح أفاقًا جديدةً في الحوار البناء في سبيل حل المشكلة مثل: "أنا سعيدة حقًا لأنك شعرت بالراحة الكافية لمشاركة هذا معي" أو "أقدر رغبتك في العمل من أجل إيجاد حل".
- الوصول إلى الحل معًا، ولا تحاولي الانفراد به، ولا تجعلي الآخر يفعل هذا أيضًا، والأهم من هذا هو السعي دائمًا إلى الحل الوسط الذي يرضي الجميع، بحيث لا يشعر أي من أطراف النزاع أنه مجبر على هذا الحل، أو أنه قدم تنازلات.
- اللجوء إلى استشارة المختصين، وطرح الفكرة طرحًا جادًا في حال لم تكن واردةً بالنسبة للآخرين، فهذا قد ينتج حلولًا جديدةً ونافعةً ولم تكن بالحسبان.
من حياتكِ لكِ
الجدير بالذكر هنا أن النزاعات والخلافات أمرٌ طبيعيٌ كما ذكرنا في البداية، لأن البشرية قائمة على أساس الاختلاف في كل شيء، سواء الرغبات أو الأراء أو حتى السلوكات في التعامل مع الأمور، ولكن الخلاف في حال كان طبيعيًا يمكن تمييزه عن الخلاف في حال كان سلبيًا، فالخلاف الطبيعي دائمًا كما يُقال لا يفسد للود قضية، ولا يمكن أن يتحول إلى مشكلة أو معضلة.
يُمكن تقييم الصراع القائم ودراسة أبعاده، إن كان مجرد خلاف طبيعي لا تنجم عنه أي مشاكل تؤذي أفراد العائلة بأي شكل من الأشكال، أم أنه يحمل الشكل العدواني والمضر للبالغين والأطفال على حد سواء، ففي النهاية إن نوع الصراع وأثره وحجم الضرر النفسي والجسدي الناجم عنه هو ما يحدد إذا كان صراعًا طبيعيًا أم أنه غير طبيعي، وهل حُلَّ ببساطة، أم أنه ما زال مستمرًا منذ وقتِ طويل.
في حال شعرتِ أن المشاكل بدأت تأخذ المنحى غير الطبيعي لها، وأصبحت ملحقةً للضرر كثيرًا، سواء أكان هذا ضررًا جسديًا أم نفسيًا، حاولي قدر الإمكان إخفاء هذا الصراع والخلاف عن الأطفال، وفي حال كان حل الصراع أمرًا معضلًا ويحتاج إلى الوقت الكثير، اختاري مكانًا ووقتًا يكون فيه الأطفال غير متواجدين أو قريبين، وحاولي قدر الإمكان إخفاء الضغينة والمشاعر السيئة عنهم، سواء أنتِ أو والدهم، فالأطفال في الغالب لديهم قدرة على استشعار العداء والمشاعر السلبية بين ذويهم، سواء أكانوا موجودين في وقت النقاش والنزاع أم لا، وحاولي دائمًا الاستماع إلى ما يقوله الأطفال وما يشعرون به، وقابلي هذا باحترام وحب، فهذا سيُشعر الأطفال بالحب على الرغم من معرفتهم بوجود خلاف أسري، وتجنبي أن تكوني صلبة الرأي او متحجرةً في قراراتك معهم، لكي لا يصابوا بالخيبة[٣].
المراجع
- ^ أ ب "Family problems and how to solve them -Definition and Classification-", steemit, Retrieved 15-07-2020. Edited.
- ↑ "Parental conflict and its effect on children", familycourt, Retrieved 15-06-2020. Edited.
- ^ أ ب "Protecting Children from Harm and Trauma during Family Conflict ", tgn.anu, Retrieved 15-06-2020. Edited.
- ↑ "How to Deal With Family Problems", wikihow, Retrieved 15-06-2020. Edited.