حديث من حسن اسلام المرء

حديث من حسن اسلام المرء

حديث من حسن إسلام المرء

روى أبو هريرة -رحمه الله- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: [إنَّ مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ تركَه ما لا يَعنيه][١]، وهو من الأحاديث التي تؤكد اهتمام الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالأخلاق، وفي المقابل ذم مساوئ الأخلاق التي قصدها في هذا الحديث؛ إذ إن القصد من قوله "من حسن إسلام المرء"؛ أي من كمال ما يُحسن الإسلام وتمامه الابتعاد عن الأمور التي تعترض المسلم دون أن تخصه أو تهمه أو تفيده، وهي الأمور المتعلقة بالأقوال والأفعال؛ إذ يجب عليه ألا يتدخل في شؤون الآخرين، ولا يتطفل عليهم في قضايا لا تجلب له نفعًا أو فائدة مرجوة، فالحديث بالمعنى العام يحث على الابتعاد عن المحرمات وما كرهه الرسول -عليه أفضل الصلاة والسلام-، بالاضافة إلى الأمور الواقعة ضمن المباح، لكن المسلم لا يحتاجها من قول أو فعل أو حال معين، إذ إن ما لا يعني الإنسان لا يقتصر على الأمور الدنيوية وحسب، إنما في بعض أمور الآخرة المتعلقة بالغيبيات والخلق، والأمور القدرية التي لم تقع، إذ إن خلاصة فائدة الحديث تتلخص في حث الرسول -عليه الصلاة والسلام- على أن يشغل المسلم نفسه بما ينفعه في الدنيا والآخرة[٢][٣].


أقوال العلماء وفهمهم للحديث

ذكر العديد من علماء الأمة والسلف فهمهم للحديث وتفسيرهم له كالتالي[٣]:

  • قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله- ما نصه: "ولا سيما كثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه".
  • قال أحد السلف ما نصه: " فإن اقتصر الإنسان على ما يعنيه من الأمور، سَلِمَ من شر عظيم، والسلامة من الشر خير".
  • قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ما نصه: "إن من لم يترك ما لا يعنيه، فإنه مسيئ في إسلامه".
  • قال ابن القيم ما نصه: "وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع كله في كلمة واحدة، فقال: ((من حسن إسلام المرء: تركُه ما لا يعنيه))، فهذا يعم الترك لما لا يعني: من الكلام، والنظر، والاستماع، والبطش، والمشي، والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة، فهذه كلمة شافية في الورع".
  • قال الخليفة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- ما نصه: "من عد كلامَه مِن عمله، قلَّ كلامه فيما لا ينفعه"
  • قال الحسن البصري -رحمه الله- ما نصه: "علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه" .
  • قال الإمام الشافعي -رحمه الله- ما نصه: "ثلاثة تزيد في العقل: مجالسة العلماء، ومجالسة الصالحين، وترك الكلام فيما لا يعني".


حديث من حسن إسلام المرء من الأحاديث الجامعة

عد العلماء هذا الحديث من الأحاديث التي بُني عليها الدين الحنيف؛ أي أنه حديث جامع، ومن هؤلاء العلماء الإمام أبو عمر بن الصلاح الذي قال بأن جملة الآداب في الإسلام تتفرع من أربعة أحاديث هي: قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: [من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ]،[٤]، وقوله عليه الصلاة والسلام: [عن ابنِ عمٍّ له -وهو جاريةُ بنُ قدامةَ- أنَّه قال: يا رسولَ اللهِ قُلْ لي قولًا ينفَعُني اللهُ به وأَقلِلْ لَعلِّي لا أُغفِلُه قال: (لا تغضَب) فعاد له مرارًا كلُّ ذلك يرجِعُ إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (لا تغضَب)][٥]، وقوله: [لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ]،[٦]، وقوله: [إنَّ مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ تركَه ما لا يَعنيه][١]، وموضوعنا في المقال هو الحديث الأخير الذي يعبر بلفظ الإسلام "حسن إسلام" ليدخل في جميع أحوال المسلم من أقوال وأعمال ما ظهر منها وما بطن، والحث من الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالترك والكف في قوله "تركه" أي الابتعاد عنه بجميع الوسائل المتاحة للترك، فقد ذكر العديد من العلماء منزلة هذا الحديث القصير في كلماته، والكبير في معناه، إذ قال ابن رجب أن هذا الحديث من أصول الأدب، وقال حمزة الكناني أنه ثلث الإسلام، وقال ابن عبد البر أن كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- من الكلام الجامع في ألفاظ قليلة، ولم يسبقه أحد في هذا، وأخيرًا قال الصنعاني أن الحديث هذا جامع للكلام النبوي الذي يشمل الأقول والأفعال[٧][٢].


الأمور التي يُحسن فيها المرء إسلامه

الحديث الذي نحن بصدده يحث على ترك المرء ما لا يعنيه، وفي ظاهر اللفظ العموم، وعليه فهو يشمل ما يتعلق بالقلب واللسان والجوارح، وأن حسن إسلام المرء هو من كمال إسلامه، بدليل أن ثمة العديد من تراجم بعض الصحابة قالوا فيها: "أنه أسلم عام كذا وحسُن إسلامه"، مما يعني أنه كمّل إسلامه وصححه، فلم يبقَ فيه أي ضعف أو تردد أو نفاق، أما فيما يتعلق بالقلب والجوارح واللسان فهي مصدر للأقوال والأفعال التي تنتقص من حسن إسلام المرء، وفيما يأتي توضيح لذلك[٨]:

  • يُحسن المرء إسلامه عندما لا يجعل قلبه مصدرًا للأفكار السيئة والفساد؛ فالاسترسال في الشهوات التي حرمها الله والشبهات من دواعي الاشتغال بما لا يعني المرء، أو التفكير بأمور لا تنفع دنيا المرء وآخرته، فالأفضل للمرء أن يفكر في قربه من الله وطاعته له، أفضل من أن يفكر بأنه أصبح ثريًا من فعل المحرمات.
  • يُحسن المرء إسلامه عندما يضبط جوارحه، أي لا يشغل جوارحه بأمور لا تنفعه في الدنيا والآخرة، فتضيع الوقت؛ كما أن عدم استغلال الوقت في طاعة الله هو من استخدام جوارجه فيما لا ينفعه في دينه ودنياه، وكذلك الوقوع في المحرمات هو من فعل الجوارح والاشتغال فيما لا يعني المرء، كالفضول في النظر والأكل والاختلاط المحرم...الخ، فاشتغال المرء في النظر للصور الفاتنة أو قراءة أمور لا يجوز قراءتها وتثير غرائزه يعد من استخدام الجوارح في الانشغال بما لا يعني المرء.
  • يُحسن المرء إسلامه عندما يضبط لسانه، وهو من أكثر الأمور التي يشتغل فيها الناس فيما لا يعنيهم، فالغيبة والنميمة، والكلام عن أعراض الناس، وكثرة الأسئلة الفضولية، ومحاولة معرفة دقائق الأمور عن الآخرين؛ جميعها تدخل في انتقاص المسلم لإسلامه، وفيما يعنيه الحديث الشريف الذي نحن بصدده.


المراجع

  1. ^ أ ب رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 229 ، أخرجه في صحيحه.
  2. ^ أ ب عبدالعال بن سعد الرشيدي (9-1-2016)، "شرح حديث: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (من الأربعين النووية) "، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 16-12-2019.
  3. ^ أ ب "شرح الحديث"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 16-12-2019.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6475 ، صحيح.
  5. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن جارية بن قدامة، الصفحة أو الرقم: 5689 ، أخرجه في صحيحه.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 13، صحيح.
  7. "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، almunajjid، اطّلع عليه بتاريخ 16-12-2019.
  8. "حديث «من حسن إسلام المرء..»"، khaledalsabt، 28-5-2005، اطّلع عليه بتاريخ 16-12-2019.

فيديو ذو صلة :