الاعتكاف للمرأة
الاعتكاف عبادة يقوم بها المُسلم بلزوم المسجد طاعةً لله، وهو سُنَّة مؤكَّدة، وتتأكَّد في العشرِ الأواخرِ من رَمضان، فعن عائِشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِن بَعْدِهِ" [صحيح البخاري | خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعْتَكِفُ في كُلِّ رَمَضَانٍ عَشَرَةَ أيَّامٍ، فَلَمَّا كانَ العَامُ الذي قُبِضَ فيه اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا [صحيح البخاري |خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وقد جاء في اللطائف لابن رجب: وإنّما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم، يعتكفُ في العشر قطعًا لأشغاله، وتفريغًا لباله، وتخليًا لمناجاة ربه، وذكره ودعائه، وكان يحتجر حصيرًا يتخلى فيها من الناس"، وقد رأى الإمام أحمد أنَّه لا يستحبُّ للمعتكف مخالطة الناس، حتى ولا لإقراء القرآن، أو لتعليم علم، ويفضّل له أن ينفرد بنفسه، وأن يكون في خلوة تامة، وإنما يكون الاعتكاف في المساجد حتى لا يترك المعتكف صلاة الجمعة والجماعات، والاعتكاف حبسٌ للنفس لذكر الله، وقطعها عن كل شاغل يشغلها عنه سبحانه، ويكون بالقلب والقالب، والتعبد بما يقربه منه، فمرضاة الله همّه الوحيد، لذا كانت حقيقة الاعتكاف وتعريفه: "قطع العلائق عن الخلائق، للاتصال بخدمة الخالق، وكلما قويت المعرفة والمحبة له، والأنس به، أورثت صاحبها الانقطاع إليه بالكليّة على كل حال".
وكان في اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم التماس لليلة القدر، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قالَ: اعْتَكَفَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَشْرَ الأُوَلِ مِن رَمَضَانَ واعْتَكَفْنَا معهُ، فأتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقالَ: إنَّ الذي تَطْلُبُ أمَامَكَ، فَاعْتَكَفَ العَشْرَ الأوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا معهُ فأتَاهُ جِبْرِيلُ فَقالَ: إنَّ الذي تَطْلُبُ أمَامَكَ، فَقَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِن رَمَضَانَ فَقالَ: (مَن كانَ اعْتَكَفَ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلْيَرْجِعْ، فإنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، وإنِّي نُسِّيتُهَا، وإنَّهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، في وِتْرٍ)[صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، واعتكافُ النساء في المساجد مشروع، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالَتْ: "كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الفَجْرَ، ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ وإنَّه أَمَرَ بخِبَائِهِ فَضُرِبَ، أَرَادَ الاعْتِكَافَ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ، فأمَرَتْ زَيْنَبُ بخِبَائِهَا فَضُرِبَ، وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِن أَزْوَاجِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بخِبَائِهِ فَضُرِبَ، فَلَمَّا صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ الفَجْرَ، نَظَرَ، فَإِذَا الأخْبِيَةُ فَقالَ: آلْبِرَّ تُرِدْنَ؟ فأمَرَ بخِبَائِهِ فَقُوِّضَ، وَتَرَكَ الاعْتِكَافَ في شَهْرِ رَمَضَانَ، حتَّى اعْتَكَفَ في العَشْرِ الأوَّلِ مِن شَوَّالٍ. [وفي رواية]: ذِكْرُ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، وَزَيْنَبَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهنَّ، أنَّهُنَّ ضَرَبْنَ الأخْبِيَةَ لِلاِعْتِكَافِ"، ويقول النَّوَوِيُّ: "وَفِي هَذا الحَدِيث دَلِيلٌ لِصِحَّةِ اعْتِكاف النِّساء؛ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ أَذِنَ لَهُنَّ، وَإِنَّما مَنَعَهُنَّ بَعْد ذَلِكَ لِعارِضٍ، وَفِيهِ أَنَّ لِلرَّجُلِ مَنْعَ زَوْجَته مِنَ الاعْتِكاف بِغَيْرِ إِذْنه، وَبِهِ قالَ الْعُلَماء كافَّة" [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح][١][٢][٣].
ما هي كيفية الاعتكاف للنساء؟
للاعتكاف شروط لا يصحّ إلا بها، وهي[١][٤]:
- النيّة: فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى) [صحيح البخاري | خلاصة حكم المحدث: صحيح]،
- الاعتكاف في المسجد: لقوله تعالى: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ } [البقرة:187]. وكان النبيّ عليه الصلاة والسلام يعتكف في المسجد، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: "أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ. قالَ نَافِعٌ: وَقَدْ أَرَانِي عبدُ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: المَكانَ الذي كانَ يَعْتَكِفُ فيه رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِنَ المَسْجِدِ" [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح] .
- إقامة الصلاة في المسجد: حتى لا يتكرّر خروج المعتكف لكل صلاة، فهذا ينافي الاعتكاف، ولا يخرج المعتكف من المسجد إلا للضرورة، ويحرم عليه الجماع، ولا يعود مريضًا، ولا يحضرُ جنازة، ويستحبّ له أن يشتغل بالقربات، وأن يبتعد عمّا لا يعنيه، ويجوز له أن يتكلّم مع من يزوره، ويجوز له أن يخرج لقضاء حاجة أو لطهارة، وأن يخرج لإحضار الأكل والشرب إذا لم يجد من يحضرهما له، وأن يتطيَّب ويتنظف.
- الأمن من المفاسد: وهذا شرط لاعتكاف المرأة، فيستحب لها البقاء في بيتها، وخدمة زوجها وأولادها، بما لا يشغلها عن طاعة ربها، لكن خروجها قد يسبب الفتن بها، وفي انفرادها خارج بيتها ما قد يعرضها لأهل الفسق والفساد، لذا عليها أن تأمن هذه المفاسد، وأن تكون كبيرة السن، وأن يكون المسجد قريبًا من محارمها وأهلِها، ليجوز لها الاعتكاف فيه، وأن يكون في مكان مخصص للنساء، وأن يكون خروجها بإذن زوجها، وإلّا كانت عاصية، زوجات النبيّ عليه الصلاة والسلام اعتكفن بعده لقربهن من المسجد، ولا يصح للمرأة الاعتكاف في مسجد بيتها، الذي تصلّي فيه، لكن إن اجتهدت وأكثرت من التعبد في بيتها وخلت بربها فلها ثواب عظيم، ويصحّ اعتكافها في كل مسجد، حتى لو لم يكن فيه صلاة جماعة، ويُكره للمرأة انفرادها وخروجها محافظةً عليها، ومن قلة الفقه اعتكاف المرأة الشابة الحسناء وتعريض نفسها للفتنة، فترتكب مفسدة لأجل تأدية سنة، ولا يشرع لها ذلك، كما تُكثر النساء في أماكن العبادة من الكلام والغفلة والحسد والغيرة، فصلاة المرأة في بيتها أفضل أجرًا من صلاتها في المسجد ولو كانت في مكة والمدينة.
من حياتكِ لكِ
اختلف العلماء في أقلّ مدة يمكنكِ الاعتكاف فيها في المسجد، فذهب جمهور أهل العلم إلى أنَّ أقله ما يطلق عليه اعتكاف عرفًا، ويقول ابن عابدين في حاشيته، وهو من علماء الحنفية: "وأقله -نفلًا- ساعة من ليل أو نهار عند محمد، وهو ظاهر الرواية عن الإمام أبي حنيفة لبناء النفل على المسامحة، وبه يفتى"، وجاء في كشاف القناع وصاحبه من علماء الحنابلة: "وأقله أي الاعتكاف ساعة" وجاء في الإنصاف: " أقله إذا كان تطوعًا أو نذرًا مطلقًا ما يسمى به معتكفًا لابثًا"، وجاء في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، وهما من كتب علماء الشافعيّة: "والأصح أنه يشترط في الاعتكاف لبث قدر يسمى عكوفًا أي: إقامة، ولو بلا سكون بحيث يكون زمنها فوق زمن الطمأنينة في الركوع ونحوه"، أمّا عند المالكيّة فأقل مدة الاعتكاف يوم وليلة، إذ جاء في منح الجليل شرح مختصر خليل: "فمن نذر اعتكافًا ودخل فيه، ولم يعين قدره لزمه أقل ما يتحقق به، وهو يوم وليلة على المعتمد، ويوم فقط على مقابله"، ويظلُّ القول الأول هو قول جمهور أهل العلم، لذا فهو الأقرب للصواب، فلم يرد دليل بتحديد زمنٍ معين للاعتكاف، والأفضل عند الحنابلة والشافعية ألا يقلَّ زمن الاعتكاف عن يوم[٥].
المراجع
- ^ أ ب عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (1/12/2006)، "الاعتكاف وشروطه وما يجوز ومالا يجوز فيه. "، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 26/6/2020. بتصرّف.
- ↑ الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي (26/6/2016)، "في فضل الاعتكاف "، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 26/6/2020. بتصرّف.
- ↑ فريق طريق الإسلام، "حكم اعتكاف النساء فى المسجد "، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 26/6/2020. بتصرّف.
- ↑ خالد بن سعود البليهد، " حكم إعتكاف المرأة في البيت والمسجد "، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 26/6/2020. بتصرّف.
- ↑ فريق الإسلام ويب (11/5/2002)، "ماهو أقل وقت للإعتكاف؟"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 26/6/2020. بتصرّف.