حكم الإسقاط في الإسلام
يُعرّف الإسقاط أو الإجهاض في الشريعة الإسلامية بأنه: كلُّ ما طَرحته المَرأة ممّا يُعلَم أنّه طفل (ولد أو بنت) سواء أكان تامَّ الخِلقة، أو كان مُضغة، أو علَقة أو دمًا"، وأما عند الشّافيّة فهو: "ما فارَق العَلَقة والمضغة، وبدأت عليها دلائل التخلُّق، وكذا إذا كانت المضغة ولم يتبيَّن فيها شيءٌ مِن خَلْق، فشهِد ثقات بأنه مبدأ خَلق آدمي، لو بقي لتصوَّر"، ويقول الله سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المعارج:12-14]، واتفق الفقهاء على عدم جواز إسقاط الجنين بعد أن تُنفخ فيه الروح وتَدبّ فيه الحياة، لأنّه جنايةٌ على حيّ، وجريمة يُعاقب مرتكبها في الدنيا والآخرة، إلّا إذا كان في بقائه خطرٌ على حياة أمّه بتقرير المختصين من الأطباء ذوي الأمانةِ والكفاءة فيباح إسقاطه، لإنقاذ حياة الأم، ولا يجوز إسقاط الجنين في كل مراحله إلا لمبرر شرعيّ، وذلك في حدودٍ ضيقة جدًّا[١][٢]
ما هو حكم إسقاط الجنين المشوّه؟
يجوزُ إسقاط الجنين المشوّه قبلَ نفخ الروحِ فيه، أي قبل مرور 120 يومًا، عَلَى بداية الحملِ، وذلك بعد اليأس من الوسائل المتاحة لِعلاجِه، ولا يجوز إسقاطه بعد نفخ الروح فيه حتى لو كان مشوّهًا، ويجب على الوالدين التزام الصّبرِ والرِّضا بقدر الله ومشيئته، وأن يتذكرا قوله سبحانه: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216]، وقوله عزّ وجلّ: {فعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19]، وقول رسول الله صلى اللّه عليه وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له) [المصدر: صحيح مسلم | خلاصة حكم المحدث: صحيح]، فمثلًا الجنين في الشهر الخامسِ، والذي أظهرت الأشعة تشوّهه بِعدمِ وجودِ الجزءِ العلويّ مِن الجمجمة، فلا يجوز إسقاطه فقد يشفيه الله بما بقي من المدة، ويولدُ سليمًا، كما حدث ذلك لكثير من النّاسِ، وأما إن كانت الأمُّ الحامل تتعالج بالأشعة من السرطان، مما سيؤثر على جنينها، فقد يولد مشوّهًا فلا يجوز إجهاضه، فهو يُخشى عليه من التشوه، والتدبير بيدِ الله سبحانه وحده، وقد يسلم مِنَ التشوه".
وقد ذهب الشافعيّة والحنفيّة وبعض المالكية وبعض الحنابلة إلى جوازه إذا كان قبل نفخِ الروح، إذ يقول ابن الهمام: "يباح الإسقاط بعد الحبل ما لم يتخلق شيء منه، ثم في غير موضع قالوا: ولا يكون ذلك إلا بعد مئة وعشرين يومًا وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخلق نفخ الروح"، وقال الرمليّ: "الراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقًا وجوازه قبله"، وجاء في حاشية قليوبي: "نعم يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه خلافًا للغزالي"، وقال المرداوي: "ويجوز شرب دواء لإسقاط نطفة"، وقال الحطَّاب: "وأما التسبب في إسقاط الماء قبل أربعين يومًا من الوطء فقال اللخمي جائز"، وقال ابن العربي: "لا يجوز باتفاق"، وقال البرزلي: "وأما جعل ما يقطع الماء، أو يسد الرحم فنص ابن العربي أنه لا يجوز، وأما استخراج ما حصل من الماء في الرحم فمذهب الجمهور المنع مطلقًا وقال اللخمي إنه يجوز قبل الأربعين ما دام نطفة كما له العزل ابتداء، والأول أظهر، إذ زعم بعضهم أنه الموؤدة".
وأما الجنين الذي قد أكّد الأطباء موته بعد ولادته بعد أن أظهرت الأشعة وجود عدة تشوّهات به، منها: تشوّه في حجرة القلب، أو تشوّه خطيرُ في العمود الفقريّ والنّخاعِ الشّوّكيّ، أو كان بين رأسه وجسمه كيس كبير أكبر مِن حجم الرأس، أو كان حجمُ رأسه صغيرًا جدًّا، أو كانت الأمعاء خارج تجويف بطنه، أو كان لديه تشوه في المخ، فلا يجوز إسقاطه، لأن آراء الأطباء يغالبها الظن، والأصل وجوب احترامِ الجنينِ وتحريمُ إسقاطه؛ فقد يصلح الله عز وجل حال الجنين في بقية المدة، ويخرج سليمًا مما قاله الأطباء، والواجب حسن الظن بالله، والدعاء له بالشفاء وكمال الخلقة والسلامة، وأن يتقي الوالدان الله في هذا الجنين، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ، قال: أنا عندَ ظَنِّ عبدي بي، إنْ ظَنَّ بي خَيْرًا فلَه، وإنْ ظَنَّ شَرًّا فلَه) [المصدر: تخريج المسند|خلاصة حكم المحدث: صحيح]، أما إذا كان الاستمرار في الحمل يهدد حياة الأم بالخطر، فلا مانع من إجهاض الجنين قبل اكتماله، لحماية حياة الأم، ولدفع الضرر عنها، وإذا كان إجهاض الجنين لأجل التشوّه فقط، فهو لا يجوز"[٣][٤].
من حياتكِ لكِ
لتعرفي إن كانت هناك كفّارة لإسقاط الجنين قصدًا، إليك الآتي[٤]:
إجهاضُ الجنين قبل مُضيّ أربعين يومًا على حملكِ مُحرّم على الصحيح من أقوال أهل العلم، ما لَم يوجد مبرر اضطراري في الشّرعِ كالخوف على حياتكِ مثلًا، ويعود تحريمه لما فيه اعتداء على نفسٍ قد توّحد الله وتَعبده حين تخرج إلى الحياة، ويجب عليكِ إن اقترفتِ هذا الذنب، أن تتوبي إلى الله وتستغفريه كثيرًا، ولا تلزمكِ فيه الديّة أو الكفَّارة إذا كنتِ قد أجهضتِ قبل تخلّق الجنين، أما إذا كان الإجهاضُ بعد التخلّق، أي بعد مضيّ أربعين يومًا منذ بداية الحمل، فتلزم فيه الديةُ والكفَّارة.
وذهب المالكيّةُ إلى عدمِ جوازه مطلقًا، وهو قول بعض الشافعيّة وبعض الحنفيّة وبعض الحنابلة، وقال الدردير: "لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يومًا، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعًا"، وقال ابن تيمية شيخ الإسلام: "إسقاط الحمل حرام بإجماع المسلمين، وهو من الوأد الذي قال الله فيه: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8-9]"، وقال: "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق".
وقال المحبُّ الطبري: "اختلف أهل العلم في النطفة قبل تمام الأربعين على قولين قيل لا يثبت لها حكم السقط والوأد، وقيل لها حرمة ولا يباح إفسادها، ولا التسبب في إخراجها بعد الاستقرار في الرحم، بخلاف العزل؛ فإنه قبل حصولها فيه" وقال الكرابيسي: "سألتُ أبا بكر بن أبي سعيد الفراتي عن رجل سقى جاريته شرابًا لتسقط ولدها، فقال: ما دامت نطفة، أو علقة فواسع له ذلك إن شاء الله تعالى"، وقال الغزالي: "ليس هذا كالاستجهاض والوأد، لأنه جناية على موجود حاصل فأول مراتب الوجود وقع النطفة في الرحم فيختلط بماء المرأة، فإفسادها جناية، فإن صارت علقة، أو مضغة فالجناية أفحش، فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشًا، ثم قال ويبعد الحكم بعدم تحريمه وقد يقال أما حالة نفخ الروح فما بعده إلى الوضع فلا شك في التحريم، وأما قبله فلا يقال إنه خلاف الأولى، بل محتمل للتنزيه والتحريم ويقوى التحريم فيما قرب من زمن النفخ، لأنه جريمة، ثم إن تشكل في صورة آدمي وأدركته القوابل وجبت الغرة"، ولذا أفتت هيئة كبار العلماء بمنع الإسقاط مطلقًا؛ لما فيه إفساد للنسل، وفتح لباب الفساد وجب أن يُسد، وعليكِ التوبة من ذلك الذنب توبة خالصة، فالله تعالى يحبُّ التوابين، كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (النَّدَمُ توبةٌ) [المصدر: مصباح الزجاجة |خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح رجاله ثقات وله شاهد].
المراجع
- ↑ د. عبدالصبور عبدالقوي علي مصري (10/3/2014)، "الإجهاض بين الشريعة والقوانين الوضعية"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 15/6/2020. بتصرّف.
- ↑ الشيخ صلاح نجيب الدق (20/4/2017)، "حقوق الجنين في الإسلام"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 15/6/2020. بتصرّف.
- ↑ فريق الإسلام سؤال وجواب (26/3/2004)، "حكم إسقاط الجنين المشوَّه"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 15/6/2020. بتصرّف.
- ^ أ ب فريق الإسلام ويب (1/12/2010)، "مذاهب العلماء في الإجهاض قبل تخلق الجنين"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 15/6/2020. بتصرّف.